رواية ديفا عمر كاملة
لكنه راسخ في خبايا روحه يجتاحه حتى في تفاصيل أحلامه حين يغفو ويا ويله لو تسلقت تلك الأحلام جدار واقعه وتحقق ما يخيفه.
لم يحتاج للبحث عنه حتما سيجده في مكانه المفضل فذهب إليه وطرق باب مكتبه طرقتان قبل أن يعبر إليه وهو مشتاقا رؤيته وقال
السلام عليكم يا جدي.
رفع الأخير عويناته الطبيه بوقار وجسار يقترب إليه ملتقطا كفه ملثما إياه بتقدير فربت الجد نادر علي رأسه وهو يقول وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخبار ايه يا حبيبي
بعتاب مبطن و دراستك تمام برضو ولا ناوي تسقط السنادي كمان يا جسار
ابتسم الأخير بحرج لتلميحه بالتقصير وقال أوعدك يا جدي انجح عشان افرحك.
غمره الجد بنظرة حانية وغمغم يا ابني انا عايزك تهتم بمستقبلك وتكون ناجح عشانك انت أولا وعشان أنا وابوك وأمك وأخوك نفتخر بيك.
رغما عنه ابتسم بمرارة ساخرة انت متأكد ياجدي ان بابا وماما بيفكروا فيا أصلا ده مافيش مرة ينزلوا أجازة غير لما نلح عليهم..بقالهم أربع سنين مانزلوش مصر من أخر أجازة وعمر ما حد فيهم قالي ذاكر ولا خد بالك من نفسك..كل اهتمامهم بأخويا رائف وبس كأنهم نسيوني في غربتهم.
محدش بيحبني غيرك انت يا جدي..
انفطر قلب الجد لسماع ما قاله متفهما الفتور الذي ينخر علاقته بوالديه هو ذاته يشتهي عودة أبنه الوحيد بشكل نهائي قبل أن ينفذ أمر الله وقد بلغ من العمر عتيا..فلم يبقى له مثل ما مضى ليعيشه ولا يريد رحيلا وروحه تطوق لضمة أبنه الوحيد.
تنهد نافضا عنه أفكاره ثم ربت على كتف حفيده ربتة دعم ماتقولش كده وتزعلني منك يا جسار انت عارف ماما وبابا بيحبوا شغلهم قد ايه واتعودا على العيشة هناك في البلد اللي شغالين فيها واخوك قريب هينزل عشان ياخد جامعته من هنا وتشبعوا من بعض وبعدين أنا أصرت معاك يا ولد
جانب وجهه مغمغما بحنان لو فعلا بتعزني وغالي عندك يا جسار.. اتخرج السنادي من كليتك وفرحني.. واهو مكتب المحاماه بتاعك جاهز ومنتظرك في أفخم مكان في البلد.
أومأ له أوعدك ياجدي..هنجح عشان افرحك هكون محامي ناجح وارفع راسك واستطرد قولي بقى اتعشيت ولا لسه
خلاص هقول لدادا سيدة تحضرلنا عشا وانا هاخد شاور وارجعلك احكيلك عن الموقف اللي حصل معايا الأسبوع اللي فات من أنثي ال..
انتبه جسار أن الكلمة غير لائقة علي مسامعه جده فتراجع مع قوله أنثى عجيبة جت الجامعة
تهاجمني بشكل غريب لدرجة كانت هتعميني.
أنزعج الجد صائحا بعد الشړ عليك يا حبيبي..ليه حصل ايه عسان تهاجمك
بعد تناولهما العشاء سرد عليه جسار الصدام الذي حدث مع تلك الفتاة الشرسة شمس لتصدح قهقهة الجد وهو يقول بإعجاب طب والله عفارم عليها البنت دي..عرفت
توقفك عند حدك يا ولد.
جيار باستنكار ياجدي بقولك كانت هتعميني بالبتاع اللي رشته على عيني..ثم قال ببعض العبث ده انا كل اللي عملته إني قربت خطوة من وشها عشان اختبر تأثيري عليها مش أكتر.
وواصل بتوبيخ أسمع يا جسار بعيدا عن الهزار..بلاش علاقاتك مع البنات دي بقى يا ابني.. اتقي الله عشان لما تتجوز في المستقبل ربنا يرزقك ببنت كويسة تشيل أسمك وتصونك..
والله بسلي وقتي يا جدي وهما اللي بيتلموا عليا أنا مالي..
قرص الجد وجنته بمرح لأنك شاب حليوة وشعرك مسبسب علي جبينك.
ضحك وهو يجيبه طب وده ذنبي يا دكتور نادر
لأ لكن مش مبرر لاستهتارك ده..أعقل انت هتبقي متر محترم فيما بعد..
نهض جسار مشيرا لطوله بمزاح كل طولي اللي قدامك ده وتقولي متر ياجدي
قهقه له خلاص خليها متر ونص ولا تزعل يلا بطل لماضة ورغي وسبني أطلع أوضتي انام عشان كده سهرت جدت وبكرة عندي عملية مهمة..
ماشي يا دوك.. ربنا يوفقك..
اللهم امين تصبح علي خير يا حبيبي.
وأنت من أهل الخير ياجدي.
صعد لغرفته والنوم يجافيه هم بالاتصال بوالديه ثم توقف بتردد..شعور الڠضب منهما نغز قلبه وهو لا يشعرون أن الفجوة بينهم تتضخم كل يوم.. لا يعرف كيف كان سوف يصبح حاله لولا وجود جده في حياته..هو لمسة الحنان والحب الحقيقية والوحيدة التي تروي أرضه القاحلة المتعطشة لدفء أبويه.
أستقر به الأمر بأن هاتف شقيقه رائف واطمئن عليه.. وبعد مكالمة قصيرة بينهما أغلق معه ثم زفر بقوة واستلقي فوق فراشه وأغمض عينه ليجلب لروحه بعض الاسترخاء والنوم للعجب ودون أي تفسير أقتحم وجه تلك الفتاة الشرسة صفحة خياله بأكملها حتي صارت ملامحها واضحة بشدة..حدقتاها السوداء ونظرتها الباردة طريقتها وهي تحدثه بكبرياء وقوة لم يصادفهما قبل بين من عرفهن..حاول خياله أن يجملها برتوش من لمسات وهمية..ماذا لو اكتحلت وتكثفت أهدابها وضعت أحمر شفاه وحمرة بخديها حتما سيبرز جمالها المختبيء خلف أستار فطاظتها وحدتها ربما لو فعلت تروقه وتستحق أن.!
انقطعت أفكاره وأشرع عيناه سريعا وقد شعر بانجراف غريب وغير مبرر لمشاعره نحوها والتفكير الغريب بها.. فغمغم لذاته بخفوت هو ده تخريف قبل النوم ولا ايه أحسن حاجة اقوم أكلم الواد أشرف ارغي معاه شوية لحد ما انام..
وبهذا الطرح المثالي لعقله تأهب وضغط رقمه.
أخترق مداركها صوت الهاتف تناولته ومازالت غائبة عن الوعي ألو مين
صباح الخير يا سارة انتي لسه نايمة يا بنتي في عندنا محاضرات بدري صحصحي واجهزي يلا..
انتبهت قليلا لصوت زميلها وغمغمت صباح الخير يا آدم..طيب ماشي هقوم اهو.
تمام منتظرك بس اوعي تفطري عشان هجيب معايا سندويتشات فول وفلافل من اللي بتحبيها..
هتفت مبتسمة بإدراك أكثر لا ده انا كده هاجي بسرعة..
خلاص منتظرك سلام.
سلام يا صاحبي.
صاح حانقا سارة.. قولت بلاش كلمة صاحبي دي.
مزحت بقولها خلاص ياعم بالراحة عليا خليها صديقي مادام عايزها بالفصحى يا سي أدم.
هز رأسه بيأس طب يلا عشان ما تتأخريش..
لا ماتقلقش هتقفل تلاقيني وراك
ليه عفريتة
لأ سارة يا خفيف سلام.
ابتسم وهو يغلق الهاتف وتمنى أن يجمعه بها رباط العشق الذي يكنه لها يوما من الأيام لا رباط الصداقة والصحوبية التي لا يعترف بها في عرفه بين الشاب والفتاة هي تمثل له مكانة أكثر أهمية من هذا.
وليتها تدري ان هذا سبب حنقه حين تخاطبه صاحبي..تنهد ونهض ليستعد هو الأخر للمغادرة.
بشهية واضحة راقبها وهي تلتهم قطعة خبز محشو فلافل وتغمغم طعمها تحفة يا آدم.
التسم بمسحة حنا رغم مزاحه بألف هنا.. افتكري الجمايل وإن خيري عليكي..
أنت هتعايزني طب منا بعزمك على كابيتشينو..
أيوة بأمارة ما بدفع أنا في الأخر..
ضحكت مع قولها لأن أنت اللي بتصمم وتقولي انا راجل ولازم ادفع بس أنا ماليش دعوة أنا نيتي بتكون اني اعزمك وادفع..
قال ساخرا والنية أهم طبعا..
واستطرد ببعض الجدية المهم صالحتي شمس لا لسه زعلانين مع بعض
يا ابني انا وبنت عمي ما بنتخاصمش أكتر من يوم.
طب مش هتقوليلي زعلتوا ليه أصلا
أبعدت الشطيرة عن يدها بلمحة حزن وتذكرت سبب اختلافهما وهمست لأنها