رواية ادم الفصل 1-2-3
هل سيفيد وقتها الندم !
ها هو عريس آخر يطرق باب بيتها .. عريس آخر ورؤية أخرى ومقابلة ستزيد من عمق جرحها ان توجت كسالفاتها بالرفض .. ليس منها .. بل منه .. دائما لا تأخذ فرصتها فى الرفض .. فقبل أم تعلنها .. يعلنها العريس .. وتضم الى باقة چراحها چرحا آخر .. يطعن كرامتها .. ويجرح أنوثتها .. ويزلزل ثقتها بنفسها .. فتلجأ الى دوائها الذى يريحها دائما .. ويزيل ما بها من توتر .. الطعام .. الذى قاله عنه نبينا صلى الله عليه وسلم ما ملأ ابن آدم وعاء شړا من بطنه .. لكنها لم تهتم .. فكل ما يهم .. هو أن تأكل وتأكل .. لتفرغ ما بها من شحنات مكبوته وصرخات مكتومة .. تلجأ الى الطعام كما يلجأ المدمن الى المخدر .. يعلم أنه يضره .. ويؤذيه .. لكنه لا يستطيع مقاومته .. فهو البئر الذى يلقى فيه آلامه وأحزانه .. رغم أنه يعلم جيدا .. أنه حل مؤقت .. ويجب عليه آجلا أم عاجلا أن يواجه واقعه .. الذى يهرب منه الى مخډره
ماما أنا خاېفة
قالت أمها بحماس
متخفيش يا بت .. ان شاء الله هتعجبيه وهيكون من نصيبك
ثم قالت
ده بسم الله ما شاء الله عليه دكتور وعنده عيادة الله أكبر .. وأخوكى على بيشكر فيه أوى
ثم ترقرقت العبرات فى عينيها وقالت بطيبة الأمهات
نفسى أوى أفرح بيكي يا إيمان يا بنتى .. ده منى عيني من الدنيا دى أشوفك فى بيتك انتى و على أخوكى
يلا يا إيمان .. العريس بره
شعرت إيمان بتوتر بالغ وتضرجت وجنتاها بحمرة انتشرت فى وجهها كله حتى صار كحبة الطماطم .. قال على وهو يتفرس فيها
ايمان انتى حطه حاجة على وشك
قالت بسرعة
لا والله يا على
ابتسم قائلا
طيب يلا
خرجت إيمان وقدميها تصطكان ببعضهما البعض .. جلست على أقرب مقعد وهى لا تجرؤ على رفع وجهها .. كان العريس بمفرده .. جلست معه ومع والدها وأخوها على قرابة النصف ساعة .. لم تتحدث خلالها أى كلمة وهو لم يوجه أى حديث لها .. استأذن وطلب الإنصراف .. شعرت إيمان فى داخلها بالحنق والحيرة .. لماذا لم يوجه اليها أى حديث .. لماذا رحل سريعا .. بالتأكيد لم تعجبه .. ظلت تلك الأسئلة تدور برأسها .. سمعت والدها وهو يخبره بأن كلا الطرفين سينتظر ردا من الآخر يعد يومين .. دخلت غرفتها وأغلقت الباب وارتمت على فراشها تبكى قهرا .. كانت تشعر فى قرارة نفسها بأنها لم تعجبه .. وسينضم اسمه الى قائمة من رفضوها
السلام عليكم
التفتت سمر وردت السلام .. فقالت أمها وهى تلقى بنفسها على المقعد متهالكة
كان عندنا شغل كتير أوى النهاردة
قامت سمر وتركت طبقها على الطاولة وقالت بحنان
هقوم أسخنلك الأكل
ابتسمت أمها بوهن قائله
دخلت سمر المطبخ تسخن الطعام لوالدتها .. شردت وهى تتذكر لقطات من الماضى .. لقطات كانت تشعر فيها بالأمان وبالسعادة .. لقظات لرجل ذهب ولن يعود يوما .. ليس لأنه رحل عن الدنيا وفارق الحياة .. بل لأنه ببساطة .. لا يريد العودة .. لا يريد تحمل المسؤلية .. لا يريد أن يكون زوجا .. لا يريد أن يكون أبا .. وعلى الرغم من ذلك لا تستطيع أن تكرهه .. حاولت ان تكرهه وأن تنساه وأن تمحيه تماما من ذاكرتها .. لكن ذكراه أبت إلا أن تظهر أمام عينيها دائما .. لتذكرها بتخليه عنها وعن أمها .. لتذكرها بأنها فقدت درعها الحامى .. لتذكرها بأنها عاشت طوال عمرها محرومه من أب نسى معنى الأبوة .. خرجت من شرودها لتنظر الى الطعام الذى يغلى .. أحضرت لأمها طبقها وناولتها اياه .. ابتسمت أمها بوهن قائله
قالت سمر بلا مبالاة وهى تمد يدها لتأخذ طبقها الموضوع على الطاولة
زى كل يوم
قالت أمها وهى تبدأ فى تناول طعامها
مفيش جديد
هزت سمر رأيها نفيا وقالت بهدوء
لا .. مفيش جديد
تعالت أصوات أبواها بالشجار كما هي عادتهما .. وكعادتها هربت الى غرفتها وأغلقتها عليها وجلست على فراشها .. أحضرت أسماء هاتفها بسرعة وأدخلت سماعاته فى أذنها واختارت احدى أغنياتها المفضلة ورفعت صوتها الى أعلى درجة واستلقت على فراشها تستمع اليها وهى مغمضة العينين ..
جلست ساندى أمام والدها على المكتب قائله بعصبية
لازم تشوفلك حل معاه يا بابا .. أحرجنى أدام الدفعة كلها وكمان قالى متحضريش محاضراتى طول السنة وخصم درجات الحضور
ثم قالت بضيق شديد
فى داهية درجات الحضور المهم عندى شكلى أدام الدفعة .. لازم يردلى اعتبارى ويسمحلى أحضر محاضراته
ثم هتفت پغضب
لازم يا بابا تتكلم معاه وتخليه يرجع عن قراره ده .. عايزه من المحاضرة الجاية أدخل أدام الدفعة كلها وأعد وأنا حطه رجل على رجل
قام والدها والتف حول المكتب ووربت على وجنتها قائلا
متقلقيش يا ساندى .. أنا هروحله بكره الجامعة وأحل المشكلة دى
ابتسمت ساندى فى فرح قائله
ميرسي يا بابا
ابتسم لها قائلا
شيليى الموضوع من دماغك خالص ومتشيليش هم .. وفكرى بس فى حفلة عيد ميلادك
قالت ساندى فى مرح
أوكى
خرجت ساندى من شركة والدها وهى تقول لنفسها فى تحدى
اما أشوف أنا ولا انت يا دكتور آدم
سمع آدم طرقات على باب مكتبه بالكلية فأذن بالدخول .. دخل شكرى والد ساندى وقدم نفسه الى آدم الذى تظاهر بأنه لم يسمع اسمه من قبل .. فذكره قائلا
أنا والد ساندى
قال آدم وهو يتظاهر بالحيرة
ساندى !
قال شكرى
أيوة .. البنت اللى حضرتك طردتها من المدرج فى محاضرتك اللى فاتت
قال آدم بخبث
أيوة أيوة افتكرت .. اتفضل
جلس شكرى أمام آدم الذى طلب له فنجانا من القهوة .. تنحنح شكرى قائلا وهو يضع ساقا فوق ساق
بنتى ساندى مكنتش تقصد الكلمه اللى قالتها .. طبعا حضرتك يا دكتور تقدر تمنعها من حضور محاضراتك زى ما انت عايز
قال آدم وهو يستند الى ظهر المقعد ويضع ساقا فوق ساق
أيوة وده اللى عملته فعلا
تنحنح شكرى مرة أخرى وقد بدا عليه ثقل المهمة الملقاه على عتقه .. فلم يعتد أن يطلب من أحد أى شئ .. فهو معتاد فقط على القاء الأوامر .. قال بنبره فيها شئ من التعالى
ياريت يا دكتور تسمحلها ترجع تانى تحضر محاضراتك .. لان اللى حصل ده خلى شكلها وحش أدام زمايلها
تظاهر آدم بأنه يفكر فى الطلب .. ثم قال بلهجة متعاليه
مفيش مشكلة .. بس تعتذرلى عن اسلوبها معايا .. وساعتها هوافق انها ترجع تحضر محاضراتى
ابتسم شكرى وقال
مفيش مشكلة .. وحضرتك معزوم على عيد ميلاد ساندى آخر الإسبوع .. ومنتظرين حضورك ان شاء الله
ابتسم آدم قائلا
ده شرف ليا يا فندم
أخرج شكرى كارت من جيبه وأعطاه الى آدم قائلا
ده الكارت بتاعى
أخذه منه آدم بترفع وألقى عليه نظرة ساريعة ثم وضعه فوق المكتب بلامبالاة .. قام شكرى قائلا
بعد اذنك يا دكتور
ابتسم آدم قائل
اتفضل
خرج شكرى فأمسك آدم بالكارت مرة أخرى وأخذ يحركه فى الهوا قائلا وعيناه تشعان خبثا
أهو هو ده الكارت اللى أقدر ألعب بيه على حق
وضعت آيات حاسوبها فوق قدميها وأخذت تنظر باسمة الى صورة أدم التى أخذتها من حسابه على الفيس بوك .. وحفظتها عندها .. تذكرت مرة أخرى يوم أن ساعدها وهدأ من روعها .. كان رجلا وسيما .. لكن اهتمامها بكلمة رجل يفوق اهتمامها بكلمة وسيما .. لطالما كنت آيات تحلم بمواصفات معينة فى فارس أحلامها .. تمنت أن يكون سندا لها .. وأن يحتويها وتشعر معه بأنه رجلها وحاميها .. كانت شخصية الرجل المثالى التى تحلم بها متأثرة بشخصية والدها .. دائما كانت ترى والدها رجلا مميزا .. وعلى الرغم من تضايقها من بعض تحكماته إلا أنها تعى أنه يفعل ذلك من أجل صالحها .. وأنا تمثل أهم ما فى حياته .. افتقدت آيات حنان وحضن أمها منذ الصغر .. فكان والدها كل شئ بالنسبة لها .. وحاول أن يكون كل ما افتقدته فى حياتها .. كذلك تتمنى أن يكون فارسها .. ليس حبيبا فقط .. بل فارسا .. يتمتع برجولة وشهامة الفرسان .. وكانت تشعر أن كل هذه الصفات .. موجودة فى أدم .. فكانت تمضى الساعات فى مطالعة صورته تحفر كل تفاصيلها فى أعماق ذاكرتها .. تشرد بخيالها الى مكان بعيد .. مساحة شاسعة من الخضرة التى تتراقص مع نسمات الرياح .. والسماء بلونها الأزرق .. لون عيناه .. وقرص الشمس الذهبي الذى يبتسم لها ويبث فيها السعادة والأمل .. والنسمات الرقيقة تداعب خصلات شعرها الأسود وتتغزل فى ملامح وجهها .. وفستانها الأبيض الذى تتطاير طياته حولها .. ومن بعيد يأتى فارسها على حصان أصيل كمن يمتطيه .. يقبل