رواية ادم الفصل 1-2-3
مبتسمه
زى القمر يا يويو
دخلت الفتاتان المدرج واختارتا مكان فى المنتصف .. جلست آيات تنظر الى باب المدرج فى انتظار قدومه .. ظهر أمامها فجأة .. فساد الهدوء .. وتعلقت أنظارها به حتى حياهم تحية الصباح .. ابتسمت آيات وهى تتذكر يوم أن التقته منذ ثلاث سنوات عندما أصر السائق على ابقائها معه الى حين حضور والدها وتسديد مبلغ التصليح .. تذكرت نظراته اليها وقتها .. وابتسامته الرقيقه .. تذكرت كيف كان متضايقا من معاملة الرجل لها وكيف وقف بجوارها ليحميها منه وليردعه إن تطاول بكلماته عليها .. شعرت بالأمان وهو واقف بجوارها فى هذا الموقف الذى تعرضت له فى أول شهر لها بالجامعة .. كان مظهرها أبسط وملامحها أرق .. كيف لا وقد كانت تخلو من تلك الأصباغ الصناعية التى تملأه الآن .. كانت تبدو كغزال برئ ضل طريقه ويلتفت حوله يبحث عمن يخرجه من مأذقه .. عادت من شرودها الى واقعها عندما تعلقت الأنظار بالفتاة التى دخلت القاعة دون أن تنتظر اذنا من آدم .. الټفت اليها آدم وقال بصارمة
التفتت الفتاة تنظر اليه فتحركت خصلات شعرها الذهبية فى رقة .. وقالت بهدوء
ډخله المدرج
نظر اليها آدم نظرة طويلة وبدت ابتسامة سخرية على فمه .. بدا وكأنه قد نفذ الى أعماقها واكتشف كنهها .. قال بحزم وتحدى وهو يشير الى باب المدرج
اتفضلى اطلعى بره
علت الأصوات وتمايل البعض على أذن جاره هامسا .. سمعت آيات الفتاة التى بجوارها تقول للتى خلفها
قالت الفتاة خلفها
أحسن البنت دى مبطيقهاش .. شايفه لبسها عامل ازاى
قالت أخرى بغيظ
معاكى حق والله مش عارفه ازاى يدخلوا الأشكال دى الجامعة
صاحت أخرى
يخربيتها دى فتحة البادى ولا نفق شبر
تعالت ضحكات الفتيات .. فأعادت آيات النظر الى الفتاة تتفحصها .. التفتت ساندى وهى تقول ل آدم بتعالى
قال آدم وهو يرفع حاجبيه بتحدى
مش من حقى
صمت قليلا ثم نظر اليها ببرود قائلا
طيب حضرتك ممنوعة من دخول محاضرات لحد آخر السنة .. ودرجات حضورك كلها هتتخصم منك
زفرت ساندى بضيق وقد احمر وجهها ڠضبا .. وغادرت المدرج بعصبيه
ابتسمت آيات وقد أسعدها ما فعله آدم بتلك الفتاة
حلقة 3
دخل آدم منزله لتستقبله والدته قائله بعتاب
اتأخرت ليه يا آدم
زفر آدم بضيق وقال وهو يغلق الباب
كنت مع واحد صحبى
سار متوجها الى غرفته فأقبلت أمه خلفه قائله پغضب
وصاحبك هو اللى بتسهر عنده لنص الليل وساعات بتبات كمان .. وسايب عنده هدومك وبدلك
انتى عايزه منى ايه
قالت أمه والدموع فى عينيها
عايزاك ترجع آدم بتاع زمان
صاح وهو يغلق الباب فى وجهها
خلاص ماټ .. آدم بتاع زمان ماټ
تساقطت العبرات على وجهها وتوجهت الى غرفتها وفرشت سجادة الصلاة ووقفت بين يدي الله تبكى حال ابنها وتدعو له بالهداية
توجه آدم الى فراشه وهو يشعر بالڠضب .. بالڠضب من نفسه وعلى نفسه .. بالڠضب من كل شئ .. ظل جالسا يفكر بشرود .. ثم قام وتوجه الى حاسوبه .. اتسعت عيناه دهشة ولاحت ابتسامه على شفتيه عندما رآى البريد الإلكترونى الذى وصله .. فتحه بلهفة .. وقرأ ما جاء فيها
أغلق آدم الحاسوب بعصبية وعلامات الڠضب والضيق مرسومة على وجهه .. أخرج سېجارا وأشعله وظل ينفث دخانه بعصبيه شديده .. طرقت أمه الباب ففتح لها وهو يخفى السېجارة خلف ظهره .. رأت أمه الدخان المتصاعد بجواره فنظرت اليه ببرود قائله
لو مش خاېف على نفسك على الأقل خاف عليا
أطرق آدم برأسه ودخل يطفئ السېجارة .. دخلت أمه خلفه وهى تقول
لحد امتى يا آدم .. لحد امتى هتفضل مش راضى عن حياتك كده
قال آدم پحده
ماما لو سمحتى اقفلى على الموضوع ده
قالت أمه بحزن
ليه يا ابنى متستعوضش ربنا .. وتخلى اللى حصل ده يبأه دافع ليك انك تكون أحسن .. مش انك تبقى كده
نظر اليها آدم ببرود وهو يقول
ومالى كده .. دكتور فى الجامعة وزى الفل ومليون واحدة بتتمنانى
قالت أمه بحزن
حياتك كلها على بعضها غلط يا آدم .. أنا قلبي حاسس انك بتعمل حاجات كتير غلط .. الغلط بيجر غلط يا ابنى .. خليك مع ربنا ومتغضبوش
قال آدم بتهكم
يا ماما انتى طيبة زيادة عن اللزوم .. مفيش حد مبيغلطش دلوقتى .. كل الناس بتغلط .. وكل الناس بتبص للى فى ايد غيرها .. وكل واحد بأه مستنى التانى يقع عشان ينهش فيه .. ولو مبقيتيش زيهم مش هتعرفى تعيشي وسطهم
ترقرقت العبرات فى عيني أمه وهى تقول
زى ما فى الۏحش فى الحلو يا آدم .. ليه تاخد الۏحش مثال ليك وتمشى وراه .. ليه متبصش للحلو يا ابنى وتعمل زيه
قال آدم بتهكم
عايزانى أبقى طيب وأهبل عشان الناس تدوس عليا .. عايزانى أبقى طيب وأهبل عشان الكل يبأه فوق وأفضل أنا تحت رجليهم .. لا يا ماما .. أنا هبقى زيهم وأحسن منهم كلهم .. واللى ضاع منى هعوضه تانى .. وهنتقم من كل اللى ظلمنى
قالت أمه بحزم وهى ترمقه بنظرات ذات معنى
كويس انك عارف ان الظلم وحش وبيوجع .. وان المظلوم مبيتمناش حاجة فى الدنيا غير انه ينتقم من اللى ظلمه
قالت ذلك ثم غادر الغرفة وتركت آدم حائرا مضطربا حانقا
فى صبيحة أحد الأيام خرجت آيات من الفيلا بسيارتها الفارهه ..سارت بها فى شوارع القاهرة .. توجهت الى مكان كتب عليه جمعية رسالة الخيرية توجهت الى الداخل وتوجهت الى مكتب احدى الفتيات التى هبت واقفة وقالت بسعادة
يا أهلا وسهلا آيات شخصيا عندنا
قبلتها آيات قائله
وحشانى أخبارك ايه
قالت الفتاة
بخير الحمد لله .. اتأخرتى يعني مش عادتك
قالت آيات وهى تخرج سى دى من حقيبتها
معلش بس انشغلت شوية اليومين اللى فاتوا
قالت الفتاة مبتسمه وهى تأخذ منها السى دى
ولا يهمك يا قمر .. تسلم ايدك
قالت آيات وهى تهم بالمغادرة
يلا أشوفك بعدين
قالت الفتاة بإستنكار
على طول كدة تعالى اشربي حاجة الأول
قالت آيات
معلش عشان مستعجلة المرة دى
ابتسمت الفتاة قائله
خلاص برحتك .. ربنا يجازيكي خير يا آيات ويجعله فى ميزان حسناتك
ابتسمت لها آيات ولوحت لها مودعة .. خرجت آيات من المبنى الذى تزوره كثيرا منذ أن التحقت بالجامعة .. حيث تعرفت فيها على احدى الفتيات المتطوعات بتلك الجمعية .. شجعت الفتاة آيات على التطوع فى قسم كتابة الكتب للمكفوفين .. فتشارك آيات فى كتابة الكتب الثقافية والعلمية والدينية على الكمبيوتر ويتم تحويلها بعد ذلك الى طريقة برايل لتمكين المكفوفين من قرائتها والإستفادة منها .. كانت آيات تشعر بسعادة بالغة وهى تقدم تلك المساعدة لأولئك الذى حرموا نعمة البصر .. كانت تجد سعادتها فى الشعور بأنها تقدم على عمل مفيد تنفع به غيرها .. وتستغل وقت فراغها فى هذا العمل المفيد .. ركبت آيات سيارتها وانطلقت فى طريقها
فاكر يا زياد لما كنا بنلعب كورة مع بعض هنا تحت البيت
قال آدم هذه العبارة وهو واقف مع زياد فى شرفة بيت هذا الأول .. نظر زياد الى الأسفل يراقب الأطفال الذين يجرون خلف الكرة والابتسامه على شفتيه قائلا
أيوة طبعا فاكر .. كانت أيام حلوة أوى
قال آدم وهى ينظر الى الأفق
كانت أيام بريئة أوى
الټفت زياد لينظر الى آدم .. يراقب تعبيرات الوجوم على وجهه .. فقال
مش عجبنى حالك يا آدم
قال آدم بتهكم دون أن ينظر اليه
ولا أنا عجبنى حالى
قال زياد بحنق
طيب ليه متغيرش حالك ده .. ليه سايب نفسك لليأس كده .. ليه متحاولش تقوم وتقف على رجليك من تانى
قال آدم بصرامة وهو يزم شفتيه بقوة
لما أرجع حقى الأول
قال زياد بقلق
وهترجعه ازاى يعني
قال آدم بقسۏة وهو ينظر الى زياد
عشان تحارب التعالب لازم تبقى تعلب زيهم
ثم قال بقسۏة شديدة
وساعتها يا ويله اللى يقع فى ايدى هاكله بسنانى
قال زياد وهو يزفر بضيق
شكل كده مفيش فايده من الكلام معاك .. اللى فى دماغك فى دماغك
قال آدم وهو يحاول تناسى الأمر
انت راجع شرم امتى
قال زياد
كمان اسبوع
أومأ آدم برأسه وعاد ينظر الى الأفق وزرقة عيناه تختلط بزرقة السماء .. أخذ يتذكر كم وقف فى تلك الشرفة يتطلع الى قرص الشمس الذهبي ويرسم بخياله أحلاما كبيرة .. أكبر من واقعه .. هكذا هو دائما .. يحب الشئ صعب المنال .. يعشق المستحيل .. متيم بالتحدى .. رغم بساطة عيشه والظروف التى تربى بها .. إلا أن أحلامه فاقت واقعه .. فصعد السلم خطوة بخطوة بعزيمة وصبر وإصرار .. حتى وصل .. وصل الى قمة النجاح .. وصل الى ما أراد .. وصل الى ما كان يراه مستحيلا .. أمسك بيده ما كان يراه صعب المنال .. فشعر بالزهو .. والفخر .. والسعادة .. لكن أحلامه تحطمت على صخرة الجشع وتهاوت أشلائها فى بئر الخيانه .. عندها بدأ يتعلم .. أن الحياة مثلما تعطى تأخذ .. ومثلما ترسم البسمة ترسم الدمعة .. لكنه لم يتقبل ذلك .. لم يتقبل الخسارة .. لم يتقبل المكتوب .. أراد أن يحارب القدر .. وأن يثور عليه .. وأن ينزع رداء الرضا .. ويرتدى حلة الإنتقام .. لكنه لا يعلم أن الإنتقام سيف ذو حدين .. حتى وان انتصرت به وقټلت خصمك .. فستنظر الى يدك فى النهاية لتجد النصل الآخر مزق يدك بحدته .. وسالت منه دمائك .. لم يعلم .. لكنه سيعلم .. لكن السؤال الآن ..