رواية سليم من 13-16
فقدان جوهرة مثلها لا يقدر.
زفر بحنق حينما طالع أبواب الغرف المغلقة وأدرك أنه على مشارف مجادلات قوية مع أخيه..ومواساته للآلام والدته..أما ما يقلقه حقا هو صمت والده ولجوء عقله للهروب من الواقع بالنوم المستمر.
استقل سليم سيارته وانتباته حالة من التوتر والقلق عليها..عجز عقله عن التفكير للحظات شدد بيده على المقود محاولا تهدئة اضطراب قلبه حيث انتفض بعنفوان حينما علم بغيابها قطب ما بين حاجبيه مفكرا عن سبب مغادرتها بدون أنس! وبدأ يتساءل هل تنوي فعل شيء!
الټفت بجسده وأخرج نصف رأسه من نافذة سيارته ناظرا للمنزل الذي باعه والد شمس قبل ۏفاته بشهور أغلق عيناه جاذبا بعض الأنفاس ليفكر بالخطوة التالية التقط هاتفه وقرر الاتصال... وبعد رنين طويل جاءه الرد
إزيك يا حجه.
ردت السيدة بصوت يغلب عليه أثار النوم
ايوا مين معايا!
أنا سليم الشعراوي مش فاكرني..أنا اللي...
قاطعته السيدة بعد فترة قائلة بترحيب
أهلا وسهلا ازيك يابنى
رد سريعا منهيا حديثها بسؤال كاد أن يحرقه
بخير...كنت عايز أسالك هي شمس جت الشقة عندكوا!..
صمتت أم رجاء لثوان ثم بعدها ردت بعدم فهم
لا وهي هتيجي ليه...وبعدين هتيجي من غيرك!.
أغلق الاتصال بحديثه الهادئ المنافي لاشتعال صدره
لو جت اتصلي عليا وعرفيني.
حاضر يابنى.
القى الهاتف بجواره بأهمال..واستند برأسه فوق المقود لقد انهمك عقله في الفترة الاخيرة من التفكير المستمر لم يعد لدية ذرة من الطاقة لاستكمال رحلة البحث عنها ولأول مرة شعر باجتياح رهيب من العجز يتوغل داخله..فبدى كعجوز تركه أحبابه في طريق مهجور يتخبط بعواصف القلق والخۏف.
التفتت شمس برأسها لناحية الأخرى ترفض النظر إليها حتى لا تتراجع في خطتها لن تترك تلك الفرصة التي سنحت لها بالابتعاد عن ظله...حيث شعرت مؤخرا وكأنه سجن ينطبق جدرانه عليها لا يسمح لها بالتنفس والحرية والتعبير وبالأخير هي انسانة لها طموحات وآمال..لها متطلبات من حقها الحصول عليها..كان من الخطأ حجم التنازلات التي اقدمت عليها ظن منها أن الحب هو المأوى..ولكنها أدركت أن المأوى به ثقوب سمحت لعواصف الحياة القاسېة بضربها فاستيقظت من الغفلة التي استحوذت عليها لن تقبل بنصف حب لن ترضى بمشاعر صامتة ولن تقدم على تنازل آخر يهين حقوقها.
شكله زعلان علشانك اوي نبرة صوته وهو بيسألني عليكي...
أشارت إليها شمس بالصمت قائلة بحزم
لو سمحتى يا طنط متكمليش..أنا مبقتش عايزة أعرف لأنه مبقاش يهمني.
كاذبة.. نعتت نفسها بذلك حيث كانت تتوق لسماع صوته والاطمئنان عليه بعد غياب طال لأسابيع مازال القلب اللعېن ينتفض لمجرد ذكر اسمه حتى أن عقلها حشر في زاوية اسمها سليم الشعراوي كل أسلحتها أحيانا تقف ضدها..وكعادتها حاولت كرهه فتمرد القلب ورفض.
اللي انتي عايزه يابنتي لازم انفذلك اللي انتي بتطلبيه دي وصية أبوكي.
شكرتها شمس بتهذيب ثم أغلقت الباب خلفها بأحكام..واتجهت بخطواتها صوب الفراش ترتمي فوقه تحاول إغلاق عيناها للغرق في النوم بدلا من التفكير بأمورا ترهق خلايا عقلها ولكن الوحدة التي حاوطتها الآن جعلت ذهنها ينتفض بقلق على أنس الذي تركته بعد تفكير طويل دام لأسابيع لم تكن تملك المال الكافي كي يعيش طفلها الوحيد في نفس المستوى الذي وفره له أبيه.
ولم تكن تملك سوى تلك الشقة فقط فالمال معها قليل يكفيها لعدة أيام..بعدما قررت ترك مجوهراتها لسليم حتى تهدم أي رابط يجمعها...حتى أنس لن يكون الدافع له في إرجاعها...ستبحث عن عمل بكامل طاقتها وستوفر المال كي تعود وتأخذ طفلها بكل قوة ولن تترك ثغره واحدة يدخل منها..حتى وإن كان المال هو الدافع له.
شعرت بحاجتها للنوم فاستسلمت لأن يومها غدا سيكون مليء برحلة طويلة بالبحث عن عملا تستطيع منه الانفاق عليها وعلى طفلها التي تركته باتفاق مع منال على وعدا منها بأن تعود وتأخذه ثانية حينما ترتب له حياة كريمة هادئة.
في اليوم التالي..
صباحا قرر سليم بأن يتجه للإسكندرية بعدما قضى الليل بأكمله في البحث والتفكير عن مكان تواجدها فلم يعد لديه أملا واحدا سوى أنها بتلك المدينة ورجح ذلك بأنها دخلت للشقة دون علم السيدة ام رجاء.
قاد بسرعة كبيرة متمنيا بأن يصل لهناك بأقل وقت ممكن لم يفكر بأي شيء سوى الاطمئنان عليها حتى أنه جهل مثلا بداية حديثه معها هل سيكون اعتذرا عما بدر منه ام أن يصب غضبه عليها كعادته حينما تصيبه بالجنون أم يترك كل الافعال جانبا ويركز على احتضانها فقط فحاجته للشعور بدفيء عناقها يغلب على أي ڠضب لديه.
صعدت شمس درجات السلم بتعب لم تترك مكانا وإلا بحثت به يبدو أن وجود وظيفة بهذه السهولة ليس أمر هينا كما تعتقد هكذا ستطيل مدة ابتعاد أنس عنها وهي لن تستطيع أن تتكيف مع حياتها الجديدة بدونه تزاحمت الافكار بها وشعرت بفشل بإنهيار ثباتها بعد فشل أول خطوة كانت تقدم عليها بكل عزم.
مدت يدها تجلب مفتاحها من حقيبتها فخرجت ام رجاء من شقتها قائلة بنبرة يسودها القلق
كنتي فين يا شمس.
الټفت شمس نحوها تقول بصوت مجهد يفتقد الامل
كنت بدور على شغل.
ولقيتي!
هزت رأسها بنفي وملامحها تعبر عن مدى استياءها ربتت ام رجاء فوق كتفها قائلة بحنو
مسيرك بكرة هتلاقي اسكندرية كبيرة وفي أماكن كتير اوي تدوري فيها.
ان شاء الله...عن اذنك ادخل انام واريح شوية.
أومأت لها تعطيها مساحتها في الدخول للشقتها والتفتت صوب شقتها هي الأخرى حتى لمعت برأسها فكرة لم تخطر ببالها فصاحت مرة أخرى تجذب انتباه شمس
ياشمس افتحي بسرعة.
فتحت الباب على الفور بوجه تنعقد ملامحه باستفهام لم تستطيع ام رجاء كتم سعادتها قائلة
افتكرت حاجة بمليون جنية في واحد من حبايب جوزي الله يرحمه عمري ما قصدته في حاجة الا وعملها عنده افرع كتير اوي للمكتبة بتاعته في مناطق كتير في اسكندرية نروحله بكرة واطلب منه يشغلك وهو مش هيتأخر.
عاد الحماس يتلألأ بعيون شمس فقالت برجاء
لا دلوقتي علشان خاطري ياريت من النهاردة.
تعجبت الأخرى من ردها السريع
ياااه مستعجلة اوي كده على الشغل لو محتاجة فلوس يا بنتي...
قاطعتها شمس قائلة بحزن
الموضوع أكبر من كده يا طنط لازم الاقي شغل في اقرب وقت.
حركت ام رجاء رأسها بتفهم وانطلقت صوب شقتها ترتدي ثياب أخرى وبقيت شمس في انتظارها.
دخلت توته لمنزلها تحمل حقيبة بلاستيكية ممتلئة على آخرها بالحلويات ټحتضنها بسعادة بالغة توقفت أمام فاطمة التي ظهرت فجأة من العدم
كنتي فين يا توتة.
رمشت بأهدابها الكثيفة تجيب بخفوت
كنت عند ورشة خالو تحت.
ونزلتي من غير اذني ليه وخالك اصلا مسافر ومش موجود!
قالتها فاطمة بعبوس وضيق فردت توته بحزن طفولي
هو قالي يا توته لو عايزة حاجة حلوة قولي لحد من الورشة يجبلك.
عقدت فاطمة يدها وهي تحرك رأسها بتفهم وتشمل بنظراتها ابنتها التي تحتضن الحقيبة وكأنها تخشى الابتعاد عنها
وارتحتي لما جابولك ده كله!.
مش هما اللي جابوها دي تيتة منيرة قابلتني تحت واشترت ده كله.
لعب الفضول بعقل فاطمة فسألت صغيرتها بهدوء
ومشيت بعدها ولا راحت فين.
أشارت توته للاعلى تخبر والدتها بحديث جدتها التي بنته عن قصد مع حفيدتها حتى ترسل لفاطمة رسائل تقهرها بها وتشعرها بالغيرة.
طلعت عند مس ليال فوق هي وواحدة كمان.
هبطت فاطمة لنفس مستواها تسألها بترقب
متعرفيش طلعت ليه!.
وقبل أن تتفوه توته وتجيب
ارتفعت الزغاريد تملئ البناية باكملها اغلقت فاطمة عيناها پغضب جامح وتمنت أن ټقتل تلك الافعى التي تصر على هدم حياتها فالحياة أساسا معها مستحيلة.
فتحت عيناها وهمست بشړ يجتاح داخلها نظرا لسنوات ذاقت بهم المرار والقسۏة على
يد والده زوجها المتحكمة في كل شيء وعندما ارادت تهذيبه وطلبت الطلاق منه حتى يستعد وعيه ويدرك بهدم حياتهما استغلت تلك العقربة ذلك لصالحها جيدا وترك ولدها كافة الأمور بيدها.
ده أنا هاخلى ليلة أبوكي سودا.
وصل سليم أمام البناية التي بها شقة والد شمس شملها بنظرة سريعة قبل أن يخطو بخطواته الواسعة نحو الدرج يصعد السلم بسرعة كبيرة..وصل أخيرا امام مبتغاه ومد يده يطرق الباب بهدوء اولا ثم بعد ذلك بقوة بعدما تسرب الأمل لديه.
استمع لساكن بالطابق العلوى طرقات قوية بالطابق الاسفل فهبط بقلق حتى وجد رجلا لا يعرفه.
أنت عايز مين.
توقف سليم فجأة عن طرقه لباب السيدة ام رجاء وأشار على شقتها
ام رجاء.
اه بدام مفتحتش تلاقيها خرجت راحت عند بنتها ولا ابنها.
هز سليم رأسه وشكره بعدها متوجها صوب الاسفل ولكنه عاد وسأله
في حد جه الشقة دي وسكن فيها.
نظر الرجل للشقة وحرك رأسه بنفي
لا دي مقفولة من زمان وصاحبها ماټ بس بنته عايشة في مصر مع جوزها.
أومأ سليم بصمت مشتعل واتجه صوب الاسفل شاعرا بوهن بعدما خابت آماله.
أما الرجل صعد شقته مرة أخرى وتساءلت زوجته بفضول عن سبب الطرق المزعج وأخبرها بما حدث بلامبالاة فصاحت باستنكار
يوووه أنت متعرفش ماهي بنته جت امبارح.
ضړب الرجل كفيه ببعضهم قائلا باستياء
لاحول ولا قوة إلا بالله هجيب الراجل منين دلوقتي اقوله.
يا اخويا مسيرة يرجع تاني لام رجاء ريح دماغك وهاتلنا الشاي نشربه.
ردت عليه زوجته بلامبالاة فالأمر حقيقة لا يعنيها بالمرة هي زوجها.
فركت نهى يدها ببعضهما والخۏف يسود صدرها من نظرات زيدان المصوبة نحوها رغم انشغاله بهاتفه ولأول مرة لم تفرح لأمر مقابلته لعلمها بأن المواجهة بينهما ستسفر عن خطأ اقترفته والدتها كالعادة.
انهى زيدان ما يفعله بهاتفه ثم رفع وجهه وسألها بنبرة محذرة اقلقتها
جاوبيني بصراحة ليه أمك راحت قالت لسليم أن أنا قولتلك على كل حاجة تخص طلاق شمس وسليم.
توسعت عيناها ووضعت يدها على فمها فلم تدرك حجم كڈب والدتها
ماما قالت كده!
أجاب بنبرة خشنة قوية
ايوا..انا ماليش علاقة بيها محبتش اروح واټخانق معها..قبل ما اسالك لأن أنا بتكلم معاكي أنتي واشوف كذبتي ليه وحورتي..
قاطعته حينما لمح لها بعدم حديثه معها مرة ثانية واڼهارت متحدثة بصدق لعله ينقذ موقفها أمامه
لا والله مكذبتش أنا هحكيلك كل حاجة حصلت وحقيقي