الخميس 12 ديسمبر 2024

رواية جاسر الجديدة الجزء الثاني

انت في الصفحة 6 من 21 صفحات

موقع أيام نيوز

فغدا تعود لعبته بمكمن بين أصابعه وتلك المرة سيحرص على جذب الخيوط وشدها بقوة فلن تبرح مكانها بين أنامله ذلك قدرها المرسوم منذ البداية فهي دائما وأبدا لعبة عاشق أنظاره قاتمة سوداء كحلته خرج ولم يبرح مكانه من أمام مكتبها المستطيل فرفعت أنظارها الحذرة نحوه وقالت ببرود
.. خیر یا باشمهندس!
فرد ببرود يماثلها
.. من هنا ورايح إطبعي نسخة زيادة من التقارير المالية للمجموعة تعجبت وقالت
.. ليه
فقال ساخرا
.. يعني علي إعتبار ما سيكون 
رفعت رأسها بغتة واحمرت عيناها وارتسمت ملامح الغيظ على وجهها وقالت
.. ويا ترى إيه اللي سيكون 
اقترب منها وبفحيح صوته أجاب
.. ده اللي مستني أعرفه منك يادرية 
قامت وانتصبت قامتها نحوه بتحدي
.. شؤوني الشخصية مش من حق أي حد يحاسبني عليها 
اكفهر وجهه بطوفان ڠضب وقال بصوت جعلها تهتز في وقفتها رغم أنه لم يكن مرتفعا بل بالكاد مسموعا
.. إلا أنا...
ماذا لو سارت معطيات الحياة حسب ما اتفق هوانا ماذا لو لم نبذل جهدا مضنيا للحصول على ما هو حقنا بالأساس لكنا إذ نتحدث عن الجنة وما كان لحديثنا ركنا على أرض الله الواسعة ولكنها حتى الآن شاكرة رغم أنها منذ قليل كانت بمكتب محامية مختصة بالأسرة والڼزاع القضائي بشؤونها والتي أخبرتها بوضوح أنه لا مجال لاحتفاظها بسليم في حضانتها فهي ليست أمه ربما من تكون ربت وترعرع الصغير في كنفها إلا أن حقها في الإحتفاظ به معډوم الطفل لأبيه والطفلة لها حتى أجل معلوم وإن شائت تقدمت لها بدعوى ضم لحضانتها ولكنها بذلك تكون قد فرقت طفليها وما ذنبهما وأمل سخيف يتضاءل داخلها أن يكون جاسر قد تنازل عن الطفلين لها لقد مرت ثلاثة أيام منذ عودتها ليلا بالصغار وتفاجئت صباح يوم أمس بالسائق الخاص به ينتظرها أسفل البناية في تمام السابعة كي يقلها هي والأبناء إلي مدرستهم بناءا على أوامر مرؤوسه الذي أمره أيضا بإصطحابهم منها وأن يكون رهن إشارة منها في أي وقت من ساعات النهار حاملا معه ملابس جديدة لهم وبعض الألعاب الثمينة.
أفاقت من سحابة أفكارها أمام باب المركز ألقت عليها موظفة الإستقبال التحية كان بإنتظارها حالة واحدة لطفلة في السادسة من عمرها ولغرابة الأمر وجدت أن الأب من يصطحبها وعلمت منه سرا پوفاة الأم منذ ثلاث سنوات تأثرت كثيرا لحال الطفلة ورغم ذلك نظرت للأب بشيء من الإجلال فبعد فراق زوجته لم يسعی لزواج من أخرى حرصا منه على مشاعر صغيرته فمر بخاطرها ذاك الذي تزوج بأخرى وعلى وشك إنجاب آخر منها يتجرأ ويمنع عنها طفليها ودون أن تدري اشتعلت ڼار الڠضب داخلها بعد انصراف الطفلة وجلست تغلي وتزبد لابد لها أن تواجهه كيف لها أن تترك صغارها في رعاية تلك المتبجحة بحملها في عزاء حماتها وأن تأمن عليهم في غيابه هو عن القصر حتى ساعات الليل المتأخرة بل والأدهی کیف لها أن تخطو بزيارات يومية لأطفالها بعد رحيل صاحبة القصر عنه!
وضعت كفيها على وجهها وهي ټغرق في بحور اليأس وقلة الحيلة وداخلها مشتعل بحنق غاضب ودت لو تكسر رقبته وبعدها تبكي إلى جوارها وانتبهت بعد قليل لتواجد کریم داخل الغرفة يراقبها بشيء من التسلية فأجفلت وعادت للوراء هاتفة به
.. خضتني على فكرة 
اقترب منها ضاحكا
.. إيه نهاية العالم قالو كمان ساعة!
زفرت بنفس اليأس
.. ياريت كان زمان الواحد ارتاح 
عقد حاجبيه وجلس بالمقعد المقابل لها متمتما
.. ياساتر يارب طب على كدة بقي نلحق نحتفل 
رفعت رأسها له دهشة
.. نحتفل بإيه 
وضع أمامها كوبان من العصير الطازج وطبق بلاستيكي يحوی قطعة حلوى شهية تقدر بمئات السعرات الحرارية وشوکتان وقال ببساطة
.. بيكي ودى حاجة بسيطة تشجعك تكملي طريقك ومتتحججيش تاني بالولاد 
ضحكت ببلاهة وهي فعليا لا تفهم مغزی کلماته فأردف مفسرا
.. أنت مش حاسة بالإنجاز اللي عملتيه ولا إيه مواظبة على الرياضة والحركة والأكل الصحي وخسيتي

ولسه عندك طاقة وعزيمة أنت لازم تهني روحك وتكافئيها 
ضحكت سالي قائلة
.. والله أنت رايق يا دكتور 
ابتسم لها
.. وأنت لما تشيلي الهم حاجة هتتحل 
هزت رأسها مقرة نعم فلن يجدي هذا نفعا مع ما تواجهه بل عليها التمتع بطاقة إيجابية كي تقف وتطالب بحقها وحق أطفالها في حياة مستقرة فهز کریم رأسه وشرع في تقاسم قطعة الحلوى وقال بفم ممتلىء متفکها
.. شوفتي معايا حق إزای 
دفعت سالي بطبق الحلوى وقالت وهي تبتسم له بخجل
.. أنا هشرب العصير بس ومتشكرة على اللفتة الطيبة دي منك 
لمعت عينا کریم وترك الحلوى وقال فجأة
.. أول مرة أخد بالي أن عندك غمازة في خدك اليمين بس 
وضعت يدها لا تلقائيا على خدها الأيمن وقالت هامسة بحرج
.. هيا أصلا مش ملحوظة 
كانت سالي مدركة أنها تظهر في أوقات وفترات متباعدة وقليل من يلحظها وبعمر زيجتها الكامل لم يلحظها جاسر ولا مرة فهز رأسه رافضا
.. بس دي حاجة مميزة فيكي 
وكان رنين الهاتف من أنقذها من طوفان دماء الخجل التي تواردت بغير حساب لوجنتيها وبخاصة اليمني فرفع کریم يده لیستأذن بالخروج تاركا لها حرية التحدث حاملا معه مشروبه فقط تناولت سالي الهاتف وعبست فالرقم أمامها غير مسجل وردت وهي تخشى سماع أنباء سيئة عن أطفالها حتى أتاها صوت رجولي معرفا بنفسه
.. آلو مدام سالي أنا مجدي المحامي مش عارف إذا كنت تفتكريني ولا لاء أنا محامي عائلة سليم يا فندم 
تنفست سالي الصعداء وردت
.. آه افتكرت حضرتك أهلا وسهلا خیر 
رد الرجل بلطف
.. كل خیر يا تری حضرتك تقدري تجيلي المكتب النهاردة لو مش في استطاعتك مليني عنوان منزلك وأنا أجيلك في الوقت المناسب 
تقافزت دقات قلبها پخوف ممزوج بالأمل
.. حضرتك عاوزني بخصوص إيه 
تنحنح الرجل بحرج
.. للأسف مش هينفع نتناقش في التليفون فقالت سالي على عجالة
.. أوكية أنا ححود على حضرتك في المكتب الساعة 3 مناسب 
رد الرجل بالإيجاب وأنهت سالي المحادثة وداخلها يحدوها بالأمل أن يكون جاسر قد تراجع عن قراره بالإحتفاظ بالصغار بعد رحيل الجدة 
منذ يومان والصداع يكاد يفتك برأسه ولايجد سببا له ولا علاج قد يداويه فقرر المرور عليها بالمشفى فهو لم يتحدث معها منذ فترة على إية حال ولم تعاود هي الإتصال به وهو لا يدري أتلك حجته في الوصول إليها تلك المرة بعد إنقطاع ولماذا هو راغب في إعادة الوصل بالأساس ولكنه لم يغرق نفسه بالتفكيير فهو يعاني من الصداع وتلك كانت بالفعل حجته كانت غاضبة ومع ذلك تعاملت معه ببرود منقطع النظير وهي ترفض الكشف عليه قائلة
.. حضرتك محتاج لإختصاص باطنة أو مخ وأعصاب ده مش من إختصاصي 
زم شفتيه مستاءا
.. حضرتك
رفعت أنظارها له وقالت بصوت محتد
.. أومال عاوز أقولك إيه 
قاطعها أو بالأحرى حاول مقاطعتها
.. ريم أنا .
.. أنا معنديش وقت أضيعه وبصراحة زهقت من لعبة الشد والجذب دي أنا فيه في حياتي أكتر من معضلة أولی بیا أتعامل معاها 
وعادت مرة أخرى لمطالعة المجلة العلمية القابعة بين يدها وأنظارها لا تلتقط أبعد من ألوان صفحاتها فهمس وهو يهم بالقيام منصرفا
.. على فكرة والدتي اټوفت من 3 أيام عشان كده متصلتش بيك من يومها 
فرفعت رأسها فجأة وقامت وهي تقترب منه معتذرة برجاء
.. أسامة بجد أنا آسفه مقولتليش ليه قبل كده 
رفع عيناه مؤنبا وقال بصدق أحاسيس لم يجرؤ على البوح بها من قبل
.. مكنتش قادر اتكلم مكنتش قادر حتى أنطقها اتعاملت مع ۏفاتها زي أي راجل ما بيتعامل ما بين إجراءات وورق ووصية مش أكتر أنا لسه لحد دلوقت مش مستوعب فراقها .
وكأنما تحول الرجل الفارع الطول ذو الهيبة والمقدرة لطفل وحيد يتيم الأم دون سابق إنذار وبعاطفة لم تدر منبعها اقتربت منه وتلقفت رأسه بأحضانها صامتة وأناملها تدور بحركات ضاغطه على جوانب صدغيه حتی همست
.. کده أحسن 
رفع حاجبيه وتنهد براحة لم يشعر بمثلها من قبل
.. أحسن كتير الصداع راح 
ابتعد عنها للوراء قليلا حتى تاه في عيناها المتناقضتان فابتسمت له ببساطة وقالت بحزن وكأنما تتحدث عن نفسها هي الأخرى
.. أنت بتداري جواك كتير وده بيضغط عليك وأنت مش حاسس مأجل لحظة المواجهة مع كل حاجة والمشكلة أنك ساعة لما تيجي تواجه هيحصل ڠصب عنك وهتلاقي اللي بتواجهه أكتر بكتير من الحجم اللي أنت فاكره 
فعبس معترضا
.. قصدك إني بهرب لكن أنا بحاول 
وضعت يدها على فمه فجأة وأردفت
.. الهروب راحة بس هتدفع تمنها بعدين صدقني أنا فاهمة أنا بتكلم علي إيه وأنت كمان فاهم 
عقد حاجبيه وهرب بأعينه بعيدا عن عنها فعيناها كأنما تنومه مغناطيسيا إن صح التعبير باستطاعتها سبر أغواره والتحكم بأفكاره والنبش بين ثنايا ماضيه المؤلم هزت رأسها وابتعدت عنه هي الأخرى عائدة لمكتبها وقالت بأمر صریح
.. واجه يا أسامة واختار الهروب

مش حل 
لقد أيقن أن الهرب بحالته مأزق وليس مخرج لذلك غادر وابتعد أعاد ترتيب أولويات حياته والنظر بعين الإعتبار لنواقصه المعنوية أولا ثم المادية نجح بشكل كبير في التغلب على معظم مشاكله والبدء بصفحة جديدة بحياته قد يكون كلفه الكثير كلفه فراق لم يدري بعد كيفيه التعامل معه ولكنه ليس متعجلا كما كان في السابق بل هو متقبل لنزعات الفراق وعواقبه يشعر بداخله خلقا الإنسان جديد إنسان يسعى للتعلم من سوابق أخطاءه وما يقض مضجعه ذاك الهاجس الذي يؤنبه ليلا أن يكون بالفعل فقدها وحتى إن تغير فلن تعود له أمسك الهاتف وللمرة العشرون ربما بعد المائة منذ أن غادر الإسكندرية حاول الإتصال بها ولكن كالعادة لم يستطع إكمال الاتصال وأغلق الهاتف حتى قبل أن تتزايد الأرقام لسبعة وعاد للواقع على صوت صديقه الذي كان يناديه
.. زياد أنا نازل البلد أجيب اللي اتفقنا عليه تمام 
رفع كفه بهمة مودعا له
.. تمام متقلقش 
وتمتم بعدها بخفوت لنفسه
.. مش هترجع يا زیاد إلا لما تستحقها 
وصلت سالي لمكتب المحامي بمنتصف البلد في المعاد المقرر وتفاجئت بوجود نعمات في غرفة الاستقبال فأقبلت عليها الأخير بتحية حارة وهي ټحتضنها بشوق لها وللأطفال الذين ما انفك لسانها عن الدعاء لهم بصلاح الحال قاطعتهم مديرة مكتب المحامي قائلة
.. اتفضلوا حضراتكوا 
أصرت نعمات أن تتقدمها سالي أولا فدخلت غرفة المحامي المخضرم الواسعة وألقت عليه التحية بهدوء واستقبلهم هو بحفاوة ولطف بالغ ودعاهم للجلوس قائلا
.. طبعا أنتو مستغربين إيه لم الشامي على المغربي 
هزت سالي رأسها نافية وقالت مؤنبة
.. إزاي حضرتك إحنا عشرة مع بعض 
رغم أنها كانت لا تطيق تلك المرأة إلا أنها في الأيام الأخيرة أثبتت لها ولأطفالها إخلاصا منقطع النظير لم يظهره له زوجها الذي عاشت بكنفه لسنوات فربنت نعمات على يدها بتقدير وهي تقول
.. ربنا يعلم بغلاوتك عندي والله 
تنحنح مجدي حرجا وقال
.. حيث كده

انت في الصفحة 6 من 21 صفحات