رواية ياسمين الفصول من 18-22
انت في الصفحة 1 من 9 صفحات
الفصل الثامن عشر
مهما بلغ ضعفك س تولد منه قوتك من جديد.
___________________________________________
كانت رغدة تتحدث في هاتفها ب أريحية شديدة بما إنها بين أربعة جدارن بغرفة مكتبها مطمئنة إنه لم يستمع إليها أحد.
زرعت المكان ذهابا وإيابا ويمينا ويسارا وعقلها يكاد يجن من فرط التفكير بالأمر.. كيف اختفى أولئك الألمان الذين حضروا لأرض مصر منذ يومان!.. لقد بحثت عنهم في كل مكان ولا أثر لهم.. وهذا ما جعل معتصم يفقد السيطرة على نفسه حتى إنه عين متلصص ينقل له أخبار يزيد كي يتوصل لمكانهم ف يفسد الإتفاقية ابتي لم تتم بعد والتي تعد بمثابة أكبر تعاون ألماني مصري بين مؤسستين عريقتين سيعزز من قوة مجموعة الوطنية.
مش عارفه إزاي ده حصل!.. هما مش شوية ورق ولا مستند ضاع عشان يختفوا بالشكل المريب ده أكيد وراهم حاجه!
وبعد أن سئمت صياح معتصم الكي لم ينتهي منذ الأمس قررت إنهاء ذلك الجدال المهلك للأعصاب وبسرعة قبيل أن تفقد عقلها أكثر من ذلك
ماشي سيبني دلوقتي عشان معايا waiting
وعندما سألها عن هوية المتصل تفاقم حنقها أكثر ولم تعد قادرة على تحمل تلك المكالمة الثقيلة عليها
صحبتي يامعتصم كل شوية هتفتح تحقيق ولا إيه! سلام
وأغلقت الهاتف ثم رمته بعيدا عن متناولها.
في هذه الدقيقة تحديدا كان يزيد يستمع لكل ما يحدث عن طريق مسجل الصوت المزروع في غرفة مكتبها وهو في قمة انتشاءه.. شعوره بإنه تقدم عليهم بخطوات كان كفيلا لأن يبهجه ويفتح الزهور في وجهه گالذي سنع خبر انتظره لسنوات بشغف وشوق.
تعالى ياسيف
قطب سيف جبينه وهو يسأل بفضول
ما شاء الله وشك النهاردة غير اليومين اللي فاتوا خالص
أومأ يزيد برأسه وهو يجفل جفونه وقال بصراحة
صح موضوع الجماعة الألمان كان قالقني جدا بس دلوقتي ارتحت
ف أبدى سيف إعجابه الشديد بشخصية يونس وتفكيره وذكائه الداهي الذي أنقذ الموقف بحنكة رجل عاقل مدبر
الحقيقة أنا انبهرت من تفكير مستر يونس وسرعته في الأداء .. متخيلتش يقدر يتصرف في ظرف يوم واحد
هو ده يونس صاحب الدقايق الأخيرة.. زي فريق الأهلى كده يصبر يصبر وبعدين يحقق هدفه في آخر وقت
تنهد يزيد وهو يسترجع معه
لولا اللي عمله كان زمانا متورطين دلوقتي تخطيطه لرحلة سياحية في الوقت القياسي ده وإنه يبعت الفريق كله أجازة يومين يتفرجوا على المدن السياحية في مصر فتح لنا وقت تقدر نتصرف فيه لحد ما نعدي أزمة عمي وبنته من ناحية هو معاهم مسابهمش وناحية تانية point نقطة تتحسب لينا قدام الشركة الألمانية.. مش مهم أبدا إنه اتكفل بالتكاليف كاملة المهم النتيجة
نهض يزيد من مكانه وهو يكركر بضحك هيستيري قائلا
اڼفجر سيف ضاحكا من تعبير يزيد الساخر حتى قطع ضحكهم صوت رنين هاتف يزيد.. ف تنحنح مستعيدا جديته وأجاب
أيوة يا يونس حاضر.. مسافة السكة
أغلق الهاتف و
أنا لازم اخرج دلوقتي كلمني لو حصل حاجه.. كده كده هرجع على الشركة لو لقيت وقت
تمام
وخرج..
خرج ومازالت ضحكته تلوح على طرفي ثغره غير قادر على إخفائها كلما تذكر.. حتى إن رغدة رأت تلك الضحكة التي تغرف سببها جيدا تآكلت من الداخل وهي تراه سعيدا هكذا وكيف يكون سعيدا وهي التي تسعى ب شتى الطرق كي تفسد كل لحظاته كي يعيش فقط شعور الألم.. كي ترى في عيناه الندم فقط ولكن خاب ظنها.. هي فقط من تتعذب الآن وتتعذب بلا شفقة أو رحمة.. تعيش اختيارها ويا له من أسوأ أختيار.
.............................................................................
لليوم الثالث على التوالي لها بالمشفى..
حاول الطبيب كثيرا ب إقناعها أن تلبث معهم يومين آخرين تحت إشراف طبي قوي ولكنها كانت متعندة للغاية رافضة أي محاولة.. کرهت رائحة المشفى وأحست كأنها لا تستطيع النوم من فرط الألم ومن شدة الأرق والقنوط من المكان.
تنهد الطبيب فاشلا معها وفي النهاية رضخ رغبتها
خلاص اللي تشوفيه بس لازم راحة تامة وهشوفك آخر الأسبوع عشان الغيار على الچرح لازم يتم بطريقة طبية منضبطة
أومأت برأسها و
ماشي بس اخرج من هنا
ف تدخل إبراهيم متسائلا بحيرة
هي هتقدر تمشي ولا ناخد لها كرسي بعجل معانا
ف أجاب يونس وكأنه قد اتخذ القرار
لأ مش هناخد كرسي ولا حاجه عربية الإسعاف هتنقلها من هنا للبيت مباشرة من غير أي مجهود منها
ف رمقته ملك بنظرات حانقة لأنه قرر بدون أن يسأل عن رأيها حتى ثم أردفت
أنا مش هروح البيت
ف ابتسم يونس بسماجة وهو يقول
مين قالك هوديكي البيت!
ف تدخل إبراهيم هو الآخر وقد اعترض قائلا
مش هينفع تقعد في عربية الإسعاف ٣ ساعات سفر يايونس!
ف وزع الطبيب بصره عليهم وأردف ب استغراب
سفر!! مينفعش ليها سفر نهائي اليومين دول
ف صحبه يونس نحو باب الغرفة كأنه يطرده و
متقلقش يادكتور البيت قريب من هنا أنا مجهز كل حاجه
ثم خرج معه لحظات وعاد بعدها يدخل ويغلق الباب.. استندت ملك على الفراش وهي تعتدل وقالت بنبرة محتدمة
أنا مش هروح معاك تاني في حته أنا هقعد عند نغم
ف ابتسمت نغم التي كانا تقف جوارها مباشرة ب انشراح و
على راسي طبعا ياحببتي
في هذه اللحظة تحديدا كان يونس يميل عليها بنصف جسده العلوي ليكون أقرب وتعابيره أوضح لها تراجعت سنتيمتر برأسها للخلف وهي تراه قريبا هكذا.. بينما قال هو بهدوءه المعتاد
أسمعي ياملك أنا عجباني أوي حميتك وشجاعتك.. بس للأسف مش هتنفعك بحاجه دلوقتي ومعايا أنا بالذات قدامك اختيارين مفيش ليهم تالت واحد.. إنك هتسلمي أمرك لله وليا وتسكتي خالص وهتيجي معايا أتنين.. إنك هتفضلي هنا ومش يومين بس هتفضلي موجودة لحد ما چرحك يلم خالص
كادت تتحدث بنبرة رافضة حكمه و
لأ طبعا آ.....
ولكنه قاطعها وهو يهز رأسه بالسلب
تؤتؤتؤتؤ أنا مش يناقشك.. أنا بقولك ياأما واحد ياأما اتنين أروح أخلص تصريح خروجك ولا نقعد هنا
تنفست بضيق وهي تحس عجزها أمام وضع إجباري فرضه عليها.. إنا نصف الحرية فقط أو عدمها.. لم تجيبه ف ابتسم هو ابتسامة أزعجتها وهو يعتدل في وقفته و
كده هروح أعمل التصريح عشان أشوف بعد كده العربية اللي هتنقلك من هنا
دخل يزيد بعد أن قرع الباب و
يونس أنا جيبت عربيتك من المغسلة وموجودة تحت
أومأ يونس وهو يتحرك ليخرج.. بينما أمسكت ملك بيد صديقتها وجذبتها نحوها
تعالي معايا مش عايزة أقعد لوحدي
ف تنغض جبين نغم بحزن و
مش هقدر أنا معرفش حد من ولاد عمك ومش هعرف اسيب البيت أكتر من كده.. أنا بقالي يومين مروحتش سامحيني بس هجيلك
التفتت ملك برأسها فلم تجد والدها حيث كان.. تنهدت وأطلقت زفيرا معبئا بهمومها وأردفت بنبرة يشوبها الخذلان
كويس إنه خرج يعني كنت هعمل إيه بوجوده اللي شبه عدمه بالظبط
ف دافعت نغم عنه وهي تقول
لأ ياملك عمو كان ھيموت من الحزن عليكي.. ده مشافش النوم ولا عينه غمضت عشان يطمن عليكي
ف أشاحت برأسها بعيدا وهي تخبئ دمعة ترقرقت برقة مرورا بأهدابها و
ياريته كان حس بيا بدري مش بعد كل اللي حصل فيا
وتركت ذاكرتها تسبح من جديد في ذلك العالم الذي حبست في ذكرياته المخذلة.. كي تعاني الألم من جديد بل وأضعاف.
كان إبراهيم قد خرج حينما شعر ببوادر نوبة من الألم الحاد ستجتاحه الآن لتمزق في ضلوعه وتنهشها بلا رحمة وجلس خارج غرفتها بالردهة الطويلة خرج كي لا تراه أو تحس ضعفه.. تناول حبتين من المسكن الخارق الذي سيقضي على أجهزته المناعية أو بالأحرى قضى عليها كي يسكت ذلك الصياح الذي يجول بداخله وعندما رآه يونس هكذا كان قد قرر تنفيذ ما عزم عليه.
كان يطالعه بنظرات متضايقة لما آل إليه حاله ف قطع يزيد تفكيره غير منتبها لما ينظر نحوه وسأل
طالما مش هترجع المزرعة هتوديها فين
ف زفر يونس وهو يشيح بوجهه بعيدا و
مكان قريب أوي قريب من هنا.. وقريب من قلبي
ثم نظر لشقيقه متابعا
مكان هيشفيها بجد
وكأن يزيد قد فهم على الفور ما يجول في رأسه و
أوعى تقول اللي في بالي!
تقريبا هو
ف ابتسم يزيد ابتسامة واسعة و
يبقى أنا مش جاي معاك أنا مش هقدر أقابلها دلوقتي واتواجه معاها.. بصراحة ومن الآخر مش عايز اتهزق
وضع يونس يديه في جيبي بنطاله و
أمال مين هيجيبهم لحد هناك.. أنا لازم أسبق عشان أهيأ الجو
يونس أنا آ......
فقاطعه بعدما عاد ينظر ل عمه من جديد
شوفلنا دكتور الأورام اللي هنا فين ومواعيده إيه.. عمي لازم يبدأ بالعلاج فورا
وسرعان ما انتقلت عينا يزيد تبحث عن عمه حتى رآه يجلس هزيلا ضعيفا هكذا وهو لم يعتاد رؤيته سوى قويا شامخا.. ف تهدل كتفي يزيد وتسائل بحيرة
هيرضى
مش ب إرادته يايزيد.. حياته وسطنا ده قرارنا كلنا مش من حقه يحكم علينا وعلى بنته بغيابه.. يلا روح
قالها وتحرك بعدها نحوه تاركا شقيقه ليرى في عمه من بعيد صورة والده حسن.. لطالما كان إبراهيم أب ثان له وهو لن يترك أبيه الثاني بين أحضان المۏت
............................................................................
كانت تلك العجوز الشقراء ذات الشعر الذهبي الذي لم يتخلله الأبيض والتي لا يبدو إنها تجاوزت السبعين من عمرها تجلس في الحديقة الصغيرة الملحقة بمنزلها الفاخر في إحدى التجمعات السكنية الحديثة والمرفهه.. تقرأ في كتاب باللغة الإنجليزية وهي ترتدي نظارة القراءة خاصتها ومتعمقة فيها بكل كيانها.. ابتسمت بنعومة لتبرز بعض خطوط التجاعيد التي زادت من جمالها وكأنها انسجمت مع عبارة ما لمستها.. ثم عادت تتابع بشغف إلى أن استمعت لصوت ابواق سيارة بالخارج لم تهتم أو ترفع بصرها عن كتابها.. بينما كان يونس قد ترجل عن سيارته وراح ېختلس النظر إليها وهي تجلس هكذا فكر قليلا في عذر يسترق به سماحها ولكنه لم يجد.
ف أطرق رأسه وحمحم وهو يخطو نحوها ببطء إلى أن رأى خادمتها الوفية التي