رواية امجد الفصول الاخيرة
فهو لا يردد سوى كلمة واحده
هبة ... هبة .. هبة ....
ترقرت الدموع في عينيها واكملت وضع الكمادات الباردة بالتبادل وكانت كل مرة تقوم بمسح يديه ورقبته بقطنة مبللة بالماء البارد ومكثت على هذا الحال فترة طويلة حتى بدأ تنفسه ينتظم وحرارته تنخفض فنهضت متجهة الى الصيدلية المنزليه المعلقة في الحمام فوق الحائط وفتحتها وتناولت منها قرصين من دواء خافض للحرارة ثم عادت اليه فساعدته لتناول الدواء رافعة اياه بذراعها قليلا الى الأعلى واضعه قرصي الدواء في فمه ثم قربت كوب الماء منه فابتلع الدواء وكان مغمض العينين ولكنه ما لبث ان اشتم رائحة يعرفها جيدا بل ويعشقها ففتح عينيه لتثع نظراته السوداء على عينيها الرماديتين فهمس بصوت ضعيف اصطبغ برجاء بينما هربت بنظراتها متشاغلة عنه بوضع الكوب بجواره
أعادت انتباهها اليه وأمسكت يده بحب واجابت بإبتسامة حانية
نام يا امجد ...
قال بحزن ونظراته منصبة عليها
لا.. لو نمت مش هلاقيكي لما اصحى!
أجابته بحب وهي تربت على يده التي تمسك بها
نام يا امجد وارتاح دلوقتى انت تعبان !
همس بصوت ضعيف حزين
انا مش هرتاح طول ما انت مش جانبي...
امجد .. علشان خاطري...
فمد يده الحرة اليها قائلا بينما عيناه تنهلان من تقاسيم وجهها الذي افتقده وبشدة
طيب بس بشرط !!
مدت يدها اليه فتناولها بلهفة قابضا عليها وإن كانت قبضته ضعيفة ولكنها لا تزال تبعث الأمان في قلبها وأجابت بابتسامة
شرط ايه
قال برجاء كالطفل الصغير الذي يترجى والدته
نظرت اليه بهدوء دون تعقيب أولا ثم ابتسمت ابتسامة واسعة وهي توميء برأسها موافقة فابتسم براحة وأفسح لها مكانا بجواره لتجلس وما غن استوت جالسة بجواره حتى مد ذراعه العضلي ليحيط بها خصرها ثم ارتمى براسه فوق صدرها بينما مررت أناملها البيضاء وسط خصلات شعره الابنوسية الناعمة تمسدها له وسرعان ما انتظمت أنفاسه غارقا في سبات عميق وقد ارتسمت على شفاهه ابتسامة راحة من وجد ضالته بعد طول عناء!! ....
فوجئ به جده وهو يراه يهبط راكضا قافزا لدرجات السلم بهذه الطريقة تقدم اليه فرحا وهو يهتف
امجد حبيبي.. ايه المفاجأة دي ! حمدلله على السلامة يا امجد ..
أجابه امجد وبصره زائغا يفتش بعينيه بيأس في الأنحاء
لاحظ الجد نظراته الزائغة فعقد جبينه متسائلا
مالك يا امجد فيه إيه شايفك عمال تتلفت حواليك وبعدين من امتى وانت بتنزل بالبيجامة من فوق لا وحافي كمان
لم يعر أمجد بالا لملاحظة جده عن هيئته وبدلا من الرد على سؤاله قال برجاء
جدي ماشوفتش هبة
قطب الجد مجيبا بدهشة حزينة
هبة ! غريبة يا امجد ... انت عارف ان هبة غايبة بئالها شهر هو ايه اللي فكرك بيها دلوقتى احنا ماسيبناش مكان الا و دورنا عليها فيه انت قلبت عليها الدنيا بحالها !! بس عموما ما تقلقش اكيد هنلاقيها ان شاء الله ..
فهز امجد برأسه معترضا وبقوة وهو يهتف
لا يا جدي... هبة كانت معايا امبارح انا متأكد! انا حسيت بيها... فضلت جنبي طول الليل تعملى كمادات ووعدتنى انها مش هتسيبني تاني انا متأكد يا جدي وما تبصليش كدا... انا مش مچنون!
ربت الجد على كتفه قائلا برجاء
ماحدش قال انك مچنون يا امجد ... هبه هترجع يا امجد .. ان شاء الله هترجع ....
زفر امجد بضيق وقد وضع اصابعه في شعره مغمضا عينيه وقلبه ېصرخ مناديا اياها بينما يكاد يفقد عقله من الألم الرهيب الذي يعصف به ترى هل شارفت على الجنون يا هبة هل ما حدث الليلة السابقة محض تخيلات! ولكن...ماذا كان يفعل طبق المياه الباردة الكمادة التي استيقظ ليراها ملقاة بجواره فوق الوسادة! سيجن لا محالة ان استمرت هذه التساؤلات تعصف برأسه! ولكن مهلا....سيجن...س ! لا... إنه يكاد يقسم أنه قد جن وانتهى الأمر!! ....
دخلت هبة الى الشقة التي استأجرتها في المدينة وقد وضعت كيس مشترياتها فوق الطاولة الخشبية المستديرة التي تتوسط الصالة في حين سمعت صوتا من الداخل ينادي
هبة حبيبتي انتي جيتي !
أجابت هبة الصوت المتسائل وهي تجذب كرسي خشبي بصعوبة لترتاح عليه وهي تزفر بعمق وراحة بعد ان جلست
ايوة يا رشا جييت ...
ظهرت فتاة سمراء شابة في العشرينيات من عمرها قادمة من المطبخ وهي تجفف يديها في منشفة قماشية و اقتربت منها وهي تقول مقطبة جبينها
مالك يا هبة شكلك تعبان اووي!!
فتنهدت هبة بتعب وأجابت
انهارده كنت واقفة طول اليوم انت عارفة حفلة آخر السنة خلاص قربت ولازم ادرب الولاد كويس أوي عليها الحفلة هيحضرها مدير المنطقة التعليمية والمحافظ علشان المدرسة اللي انا فيها تعتبر اكبر مدرسة هنا وكل سنة لازم المحافظ بيحضرها...
قالت رشا وهى تقف امامها بجدية
انت كدا بتيجي على نفسك كتير! خلي بالك انت حامل وفي التامن كمان... يعني مش عاوزين اهمال وتدخلى في مشاكل ولادة بدري احنا في غنا عنها...
ابتسمت هبة ابتسامة صغيرة واجابت
شغلي يا رشا وانت بنفسك قولتيها... كلها شهر بالكتير ويمكن اقل وأولد.. وهحتاج لكل قرش ساعتها وإنتي عارفة أنه....
سارعت رشا بمقاطعتها متذمرة
انا مش فاهمه انت دماغك دي ايه! بأه يكون جوزك وابو اللي في بطنك اكبر رجل اعمال في مصر كلها وانت بتشتغلي مدرسة موسيقى في مدرسة و ساكنه في شقة ايجار وشرك كمان!
تابعت وهى تضع يدها على كتف هبة
ماتزعليش مني يا هبة انت عارفة غلاوتك عندى ولما علاء كلمني علشان تيجي تسكني معايا هنا وهو عارف اني وحدانية وياما اشتكيت له من الوحدة اللي انا فيها.. انا أد ايه رحبت بيكي وصدقيني انت بئيتي اختي بجد و علشان كدا لازم انصحك .. هبة انت بتكدبي على نفسك !! انت لسه بتحبيه وعمرك ما هتنسيه والا ما كنتيش سكنتي في بلد بينها وبين مزرعته مايجيش ساعه الا ربع بالعربية! انتي رفضت من جواكي انك تبعدي عنه يا هبة .. و كأنك طول ما انت في مكان قريب منه بتحسي بالأمان !! يبقى ليه العڈاب اللي معيشة نفسك ومعيشاه معاكى فيه...
سكتت منتظر سماع جوابها ولما لم تجد منها اي ياستجابة سوى ابتسامة حزن صغيرة ارتسمت على وجهها