رواية كاملة قوية جدا الفصول من السابع للعاشر بقلم الكاتبة الرائعة
وجنتيها مرة أخرى هامسا باعتذار محب وحاني :
_ لا مقدرش على زعلك ياهنايا .. معلش ياحبيبتي ووعد تاني مني هنلعب كتير أوي اول ما آجي بليل خلاص !
رفعت كفها وقالت بسخط طفولي وهي تلقي بأوامرها عليه :
_ هنلعب خمسة لعبة .. لا عشرة كمان
_ إن شاء الله نلعب للصبح هو احنا ورانا حاجة
اتسعت ابتسامتها معبرة عن رضاها أخيرا فانحنى عليها يمد وجنته إليها هامسا :
_ يلا بوسة كبيرة لبابي بقى قبل ما يمشي
طبعت بشفتيها الصغيرة قبلة قوية على وجنته ثم اتجهت لوجنته الأخرى وفعلت المثل بقوة أشد .. بينما جلنار فكانت تتابعهم بابتسامة الصافية رغم الخلافات الذي بينهم ونقمها عليه إلا أنها تحب كثيرا حبه وتعلقه بصغيرتهم وتعشق رؤية لحظاتهم معا .. ربما لحظاته وحبه وحنوه على ابنتهم هو من جعلها تستمر معه حتى الآن على أمل أنه قد يأتي يوم وتنل من هذا الحب بعضا لكن اتضح أنها كانت تتوهم وتتبع سراب ! .
سار باتجاه الباب وهو يفرك جبهته بقوة من الألم الذي يجتاحه منذ أن فتح عيناه .. يحاول تذكر تفاصيل الأمس ولكن لا يوجد بذهنه شيء سوى بعض الاشياء الناقصة أهمهم نادين ! .
فتح الباب مضيقا عيناه من قوة الضوء وظهرت هي من خلف الباب .. كانت امرأة فاتنة بشدة متوسطة الطول تمتلك جسد انوثي جذاب وشعر بني اللون مع عينان كلون العسل وشفاه صغيرة وردية .. كل من يراها يفتن بها .
ابتسم بعذوبة وافسح لها المجال للدخول وهو يهتف بترحيب :
_ ادخلي يانادين عاملة إيه
دخلت وأجابت عليه في نظرات مهتمة :
_ منيحة وإنت
أغلق حاتم الباب وتوجه نحو الأريكة المتوسطة والقى بجسده جالسا ممسكا بجبهته ومرجعا رأسه للخلف متمتما پألم :
_ صداع هيفرتك دماغي يانادين
تحركت نحوه ثم جلست بجواره وقالت في شيء من السخط :
_ أي طبيعي بعد كل هاد الشرب يالي شربته مبارح بتحس بهيك صداع .. من متى وإنت عم تشرب ياحاتم !!
مسح على وجهه متأففا وأجابها بخنق :
_ نادين ارجوكي أنا مش مستحمل تأنيبك ليا أو كلامك اللي على علطول بتسمعهوني
اتسعت عيناها بدهشة امتزجت بالاستياء ثم غمغمت تعيد عليه جملته بعدم تصديق :
_ مو متحملني !! .. أي تسلم أنا عن جد غلطانة إني جيت لألك حتى اطمن عليك
ثم استقامت واقفة وهمت بالرحيل لكنه أسرع وقبض على ذراعها يوقفها هاتفا باعتذار صادق وضيق :
_ أنا آسف والله مقصدش .. أنا بس الايام دي مضغوط وإنتي عارفة اقعدي يا نادين حقك عليا
نادين بنظرة قوية وهي تنتزع يدها من قبضته :
_ لا نحنا الاتنين بنعرف كتير منيح إنك مانك مضغوط ولا شيء إنت .....
قاطعها مبتسما بساحرية وتمتم بهدوء :
_ طيب بلاش نفتح السيرة دي دلوقتي واقعدي يلا وشوفيلي حل للصداع ده بدل ما إنتي قافشة عليا كدا
صاحت به في انفعال :
_ وليش لأشوفلك حل .. حدا خبرك إني والية امرك ! كل شيء نادين تعي سوى هاد .. بتنام متأخر بليل وبتيجي تقول لا تنسي تفيقيني بالصبح مشان ما أتأخر على الشغل .. نادين بدي ياكي تساعديني لأختار شو بلبس بهاي المناسبة .. نادين شو بسوى مع جلنار .. نادين .. نادين .. نادين لك نادين طهقت أنا ماني امك
قهقه عاليا بصوته العالي ثم غمز لها في مشاكسة يجيب عليها بلهجتها اللبنانية :
_ يقبرني هاد العصبي
_ احترم حالك .. أنا لحد هلأ ما حاسبتك على اللي قلته مبارح
تغيرت ملامحه وأخذت الجدية ليقول بإحراج بسيط :
_ اللي قولته !! .. هو أنا خرفت في الكلام أوي !
ضيقت عيناها وسألت بعدم فهم :
_ شو يعني خرفت !
حاتم بنبرة حادة وبوجه يعطي تعبيرات الاعتذار مقدما :
_ يعني قولت كلام مش لطيف يانادين !
هزت رأسها بإيجاب وتمتمت بصرامة ونظرات شرسة :
_ اممم مو لطيف أبدا ولولا إنك ما كنت بوعيك كنت بهدلتك
زم شفتيه وقال معتذرا بأدب ورقة :
_ أنا آسف بجد .. بس نفسي أفهم إيه اللي جابك ليا من الأساس
نادين بزمجرة :
_ كنت بتركك مثلا وإنت بهاي الحالة !
ابتسم لها بمشاعر نقية وامسك بكفها يتمتم في ود جميل :
_ ربنا يخليكي ليا .. أنا بجد من غيرك معرفش كنت هعمل إيه يانادين من غير زعل بس أنا بحسك امي بجد
صړخت به بغيظ وعصبية وهي تسحب كفها :
_ لك لا تجنني .. شو امك !! شايفني عجوزة لتقولي امك
عاد يضحك مجددا وتمتم يصحح لها الفكرة ببساطة :
_ مش المعنى كدا .. مش عارف افهمالك إزاي بس انا بعتبرك كدا بسبب إنك قريبة جدا مني وتقريبا معتمد عليكي في كل في حياتي .. شغلي وحتى حياتي الخاصة انتي اللي بتظبطي ليا كل حاجة فيها يعني لو ماما كانت عايشة مكنتش هتهتم بيا زيك كدا
هدأت ثورتها ولانت نظراتها فهتفت برقة رائعة مع نبرة صوتها الرقيقة :
_ الله يرحمها
حاتم في خفوت جميل امتزج بمداعبته وفضوله الخبيث قاصدا إثارة سخطها :
_ آمين .. لكن مقولتيش أنا قولت إيه امبارح صحيح عشان للأسف مش فاكر
طالعته بنظرة ڼارية ومغتاظة فسرعان ما ارتفعت صوت ضحكته الرجولية لأنه نجح بكل سهولة في تحقيق مبتاغه من جملة واحدة ! .
بعد صباح مرهق ومتعب ككل يوم في العمل كانت في طريقها للمنزل وهي تسير في شوارع حارتها وسط ضجة الاطفال والبائعين وإذا بها تذكرت أنهم ينقصهم الارز بالمنزل ولن تتمكن من تحضير وجبة غذاء اليوم بدونه .. فانحرفت بقدمها لليسار نحو أحد محلات البقالة ووقفت تهتف بابتسامة خاڤتة من الإرهاق :
_ ازيك يا أم سلامة
رفعت السيدة نظرها إلى مهرة وطالعتها بعين ثاقبة ثم وقفت وقالت بهدوء :
_ نحمدو .. أخبار الحجة فوزية إيه
مهرة بإيجاز وهي تخرج حقيبتها الصغيرة :
_ كويسة الحمدلله .. اديني كيلو رز يا أم سلامة
تحركت السيدة خطوتين في محلها الصغير والتقطت كيس ارز متوسط الحجم ثم وضعته في كيس أصفر اللون وأعطته لها وقبل أن تلتقط منها النقود انحنت للأمام مستندة برسغها على سطح المنضدة الخشبية الكبيرة التي تفصل بين الشارع والمحل من الداخل وغمغمت بعين خبيثة وابتسامة ساخرة :
_ ألا صحيح يابت يامهرة اللي عملتيه مع صابر الأعور ده !
رمقتها مهرة بابتسامة صفراء ومثلجة بينما الأخرى استكملت بخبث أشد :
_ ده سيرتك على كل لسان في المنطقة .. قال إيه بنت رمضان الأحمدي بتطفش العرسان عشان لا مؤاخذة يعني مشيها بطال .. صحيح الكلام ده يابت قوليلي ومټخافيش ده أنا برضوا يهمني مصلحتك اصل لو الكلام ده