رواية مريم من 1-5
انت في الصفحة 1 من 7 صفحات
1
كان ثمن الهجرة منك غربة و مڈلة و كأني أسير حرب مهان الآن و قد عدت إلى وطني.. لا آبه إن تشردت أو تسولت.. أو حتى أعتقلت!
_ مراد أبو المجد
تلبدت السماء بالغيوم فجأة في غضون دقائق منذ أن ألقى بزوجته التي طلقها بقصر عائلتها الفاخر كان الطقس مكفهر مثل مزاجه بل مثله هو تماما ...
انطلق بسيارته البوجاتي السوداء لا يلوي على أي وجهة هب نسيم البحر المنعش و
بدأت تسقط قطرات المطر الأولى أغلق سقف السيارة و حل الظلام التام بولوجه إلى ذلك النفق المعتم الطويل.. لتتكالب عليه الذكريات دفعة واحدة.. خلاصة ثلاثة أعوام من حياته قضاهم هائما بحب هالة رفعت البحيري.. ابنة عم صديق عمره و أخيه الذي لم تنجبه أمه... كيف يعقل !
لقد أكدت له هالة بلسانها بأن عثمان يعلم بحبها.. إذن كيف.. كيف يفعل هذا بأخيه !!
خرج من النفق أخيرا و غمرته الأجواء الكئيبة الشتوية ثانية كان المطر قد اشتد و قد شعر برغبة ملحة بالوقوف هناك بالقرب من البحر لم يفكر طويلا و ركن سيارته عند رصيف مقفر و نزل متجها نحو الصخور الغائرة في الموج الثائر
وقف يتأمل تقلبات الطقس لهنيهة يقارنها بم يعتمل بدواخله الآن دس يده بجيب معطفه حين شعر باهتزاز هاتفه كان واثق حتى قبل أن يلقي نظرة إلى الشاشة... إنها أمه.. السيدة رباب التي تخابره.. حتما وصلتها الأخبار
و لم يشأ أن يقلقها هي بالذات ففتح الخط و أجاب
آلو !
أتى صوت أمه متلهفا مذعورا في الحال
مراد ! في ايه يابني. ايه الحصل عندك ده. قول لي السمعناه ده صحيح انت طلقت هالة !!
ماما.. من فضلك. الموضوع ده انتهى. سامعاني انتهى و مش عاوز أتكلم فيه أبدا.
طيب بس فهمني يا حبيبي. حصل إيه.. ما انا لازم أفهم يا مراد ماتسبنيش كده. أنا و باباك و جدتك هنا ميتين من القلق !!
ابتسم نصف ابتسامة و هو يقول هازئا
كلمي البلغوكي هما يفهموكي كل حاجة ...
و قبل أن تنطق مجددا قاطعها بصرامة
بصي يا ماما ماتقلقيش عليا. أنا كويس. رديت عليكي بس عشان تطمني. لكن أنا محتاج أبقى لوحدي شوية.. أرجوكي !
سحب نفسا عميقا عبر فتحتي أنفه و زفره ببطء من فمه.. اللعڼة !!
لا يستطيع أن يطردها من عقله مهما فعل إنه يحبها لا زال يحبها و هذا ما يؤلمه منذ أن تعلق بها قبل الزواج حولته إلى عاشق و هو الذي ما كان ليفقه ذلك المعنى لولاها صحيح أنها أعيته و لم يفهم شخصيتها يوما لكن هذا بالضبط ما أوقعه في شباكها غموضها كبريائها الارستقراطي و رقتها المفرطة لدرجة أنه كان يحبها بحذر و يعاملها و يحاورها برفق شديد
للأسف.. لقد ترك لها نفسه و سقط في غرامها إلى حد جعله يبدو ليس لها فقط بل للجميع بلا شخصية و لكن ماذا كان جزاؤه بالنهاية !
خانته
طعنت رجولته بمنتهى القسۏة
تململ مراد بمكانه بعصبية لا تخلو من الڠضب حاول جاهدا أن يعود إلى رشده لكي يستطع تدبير أموره لا يمكن ينتهي كل شيء بهذه السهولة ...
و لكن ماذا عليه أن يفعل و إلى أين يذهب الآن ليس له في هذه المدينة سوى صديقه الوحيد.. و الذي توضح تماما بأن علاقته به قد ډمرت.. فأين يفترض أن يذهب !
لا يريد أن ينزل بفندق أو ما شابه يحتاج إلى رفقة لا يجب أن يبقى بمفرده خاصة الآن
و لكن من.. من الذي يستحق أن يشاركه كل هذا...
لبث يفكر لبضع دقائق حتى إلتمعت بارقة أمل برأسه و اتخذ قراره لم تعد لديه لحظة أخرى يضيعها استدار عائدا إلى سيارته بلغ مفترق طرق المؤدي إلى جسر ستانلي.. و عوض التوجه لقلب المدينة انطلق رأسا إلى طريق الإسكندرية الصحراوي.. لتكون الوجهة هي العاصمة.. القاهرة ...
ليست المرة الأولى التي تقضيا النهار سويا بالخارج فمنذ أن تحسنت العلاقة بينهما و هما تقريبا لا تفترقان فإن لم تتجالسا فهناك هاتف لا تكفان عن الثرثرة خلاله
و لكن اليوم لاحظت سلاف سلوكا غريبا قد طرأ على شقيقة زوجها إلحاحها في طلب الخروج من البيت بحجة التسوق و الترفيه عن الأطفال وافقتها سلاف لأنها بالفعل كانت بحاجة للتبضع و لسبب آخر أرادت بشدة أن تستطلع أحوالها ...
بصي يا إيمي ال ده ! .. قالتها سلاف من وراء النقاب
و هي تدفع في نفس الوقت بعربة أطفالها الذكور الثلاثة
كانت الأخيرة شاردة الذهن لكنها انتبهت حين سمعت اسمها نظرت نحو زوجة أخيها و تساءلت
نعم يا سلاف !
أشارت لها سلاف إلى واجهة متجر الملابس النسائي
بقولك بصي ده.. ده هايبقى حلو أوي عليكي. كأنه متصمم عشانك أصلا و بصي نفس الألوان البتحبيها !
تطلعت إيمان إلى الثوب كان بالفعل جميلا و قصته جذابة زهري و مزين بالورود على مختلف ألوانها ...
ايه رأيك.. ندخل نشتريه
قدمت إيمان خطوة موافقة و هي تشد يد ابنتها الصغيرة معها
ليكي
عبست سلاف مصححة
ليكي انتي يا إيمان.. في ايه مالك مش مركزة معايا ليه !!
حاولت إيمان أن تبدد شكوكها بابتسامة لكنها لم ټخدعها البتة
مافيش حاجة يا سلاف. هايكون في ايه يعني !
هزت سلاف رأسها
مش عارفة. بس حساكي مش مظبوطة.. و أنا احساسي مابيخيبش.
كانت ستكذب مرة أخرى و قد عرفت سلاف ذلك من عينيها فقاطعتها
بس يا إيمان ماتتكلميش تاني لو سمحتي. ماتتلكميش لو هاتكدبي.. بصي إحنا هاندخل نشتري لك ال ده و ننزل نشرب حاجة في ال Court تحت و نتكلم براحتنا.
أبت إيمان بشدة
لأ يا سلاف. لأ لأ معقول أنا ألبس الألوان دي لأ مش ممكن !!
سلاف باستنكار و مش معقول ليه يا حبيبتي
ردت إيمان و هي تتأمل الموضة الشبابية أمامها
عشان مش سني ده يا سلاف !
جحظت عينا سلاف الفيروزيتين من أسفل عصابة عينيها و تمتمت بغيظ
مش سنك ! منك لله يا شيخة. هاترفعيلي ضغطي.. خشي قدامي يا إيمان !
جاءت لتعترض فأجبرتها سلاف زاجرة بشدة
خشششششي قدااامي يا إيمان.
كټفت إيمان ذراعيها هاتفة بعناد
قلت مش داخلة يعني مش داخلة يا سلاف !!
جلستا في أقصى المطعم الشهير بفناء المطاعم و المقاهي بالمول التجاري الأضخم ...
استطاعت سلاف أن ترفع النقاب و هي تجلس بظهرها أخذت سلاف تكتم ضحكاتها بصعوبة فقد حققت مشيئتها و أجبرت إيمان على قياس الثوب و من ثم شراؤه و قد كان شكلها المضطرب حتى الآن و هي تنظر إلى كيس القماش الذي يحمل شعار المتجر.. لم تكن مرتاحة أبدا
فحاولت سلاف أن تخفف الضحك في صوتها و هي تخاطبها بلطف
خلاص بقى يا إيمي. فكي ماكانش فستان ده.. ايه يعني لما تلبسيه مش يمكن الصنارة تغمز !
و غمزت لها بشقاوة
توترت إيمان حين قالت ذلك
ايه صنارة و تغمز دي. قصدك ايه يا سلاف !
رفعت سلاف حاجبها و قالت بتعجب
و انتي مالك اتلخبطتي كده ليه !!
ازداد الارتباك عليها و هي ترد متلعثمة
م مافيش حاجة يا سلاف. هو انتي كل شوية هاتقوليلي مالك !
بقولك من الآخر. انتي متوترة أوي كده بسبب زيارة مراد لينا انهاردة !
هكذا باغتتها سلاف و قد أصابت و أرادت إيمان أن تنفي هذه الحقيقة.. لكن أمام نظرات الأخيرة الثاقبة و تحت وطأة جلد الذات القلق من مشاعرها
وجدت نفسها تبوح مومئة برأسها ...
تنهدت سلاف قائلة
كنت حاسة !
و في هذه اللحظة أتى النادل أنزلت سلاف النقاب فورا وضع حلوى الدوناتس أمام الصغار و القهوة أمام سلاف و العصير الطازج أمام إيمان ...
رفعت سلاف النقاب ثانية بعد ذهاب النادل و ارتشفت القليل من قهوتها الفاتحة لتساعدها على التعاطي مع الوضع الجاري رفعت بصرها إلى إيمان التي راحت تعبث بقشة الكأس بلا هدف متحاشية النظر في عيني زوجة أخيها
وجهت سلاف سؤالا مدروسا بصوتها الهادئ
انتي كان في حاجة بينك و بين مراد قبل ما تتجوزي.. صح يا إيمان
أومأت إيمان مؤيدة للمرة الثانية فأردفت سلاف
لسا بتحبيه
للمرة الثالثة تومئ لها و لا تجسر على النطق
لوت سلاف فمها ممعنة في تلك المعطيات بدقة ثم قالت
طيب. بالنظر لوضعكم انتوا الاتنين. أكيد العلاقة انتهت من زمان بما انك اتجوزتي و هو كمان اتجوز.. ليه مضطربة كده و ليه اصريتي نخرج من البيت قبل ما يجي. مش عايزة تشوفيه !
و هنا رفعت إيمان رأسها و رمقتها بنظرة واهنة
أنا بكلمك دلوقتي كأني بكلم نفسي.. و مش هاخبي عنك حاجة يا سلاف !
بثت فيها سلاف كل الثقة لتحملها على البوح بكل أريحية
خليكي واثقة إن كلامك كله هايتسمع و بس. عمره ما هيتقال تاني يا إيمان.
ابتسمت لها بامتنان ثم بدأت تسرد لها كل الحكاية من البداية و حتى هذه اللحظة ...
يعني مراد قصة حب و انتهت ! .. قالتها سلاف مقررة منطقية الوضع
ايه القلقك بقى !
قطبت إيمان بشدة
إني مش فاهمة تصرفاته. هو من يوم ما سيبنا بعض و هو بيتجنب نتقابل. طول السنين دي كلها مجاش و لو زيارة.. حتى في مۏت تيتة حليمة مجاش. انتي نفسك يا سلاف ماكنتيش تعرفي عنه حاجة غير من فترة قريبة.. إشمعنا دلوقتي افتكرنا. و في الوقت ده. الهو فيه مطلق مراته و أنا جوزي ماټ !!!
انتي رابطة زيارته بيكي. و جايز جدا مايكونش راجع عشانك يا إيمان.. ثم انتي قلقانة ليه بردو حتى لو جاي لك انتي. أقصى الممكن يعمله ايه يعني !!
هزت إيمان رأسها للجانبين مقرة
انتي مش فاهمة يا سلاف. أنا مش خاېفة منه.. أنا خاېفة من نفسي لو شوفته تاني... خاېفة