رواية جاسر الجديدة الجزء الثاني
القليلة بسرعة ثم تنهد وقال
عاوزه سالي تكون حاضرة الغسل
فهز جاسر رأسه وتحاشى النظر له وقال وهو يستعد للخروج
اتصل بيها وشوف بقية الأظرف فيها إيه عشان ألحق أطلع الشهادة قبل صلاة الضهر
وأكد عليه قبل أن يختفي من أمام ناظريه
ومتنساش أخوك لازم يجي
فهز أسامة رأسه وقال بصوت متعب
كلمته على الله يرد
وبعدين معاك ياسيرين كل شوية سايبة بيتك
أنا مسیبتش البيت أنا جيت عشان أكون جمبك في يوم زي ده
ارتفع حاجبي سالي بدهشة وقالت ساخرة
ليه إن شاء الله
وأردفت غاضبة وهي تتابع طريقها نحو المطبخ لتجلي صحون الإفطار خاصتها
شيفاني مفطورة من العياط ولا بقطع هدومي من الغلب
فأتبعتها سيرين وقالت بإلحاح
إنت عمرك ما كنت عنيدة كدة فيها إيه أما تتصلي بيه
عوزاني أترجاه ولا أوطي على رجله أبوسها عشان يردني
حدقت سیرین بمحيا أختها الغاضب العنيد وتنهدت
وولادك ياسالي
جففت سالي يديها وقالت بإصرار
هاخدهم منه
فاتسعت عينا سیرین بغیر تصدیق وقالت بتصميم
وسليم هیسبيهوله
همت سالي بالرد فقاطعتهم أمهم التي قالت بصوتها الهاديء
متتعبیش روحك يا سيرين أنا مش عارفة أختك جابت نشوفية الدماغ دي كلها منین مكنتش کده
أنا كده هتأخر على شغلي أنا طلعت حاجة الغدا تفك ياماما متستنیش عشان هروح
فقالت أمها بالنيابة عنها وهي ترمقها بنظرة شاملة
لولادك للي سيباهم في حضڼ غيرك ربنا ييسرلك طريقك
تجمدت سالي وقالت بصوت يرتعش كمدا وقهرا
فکرکوا مش بتقطع من جوايا فکرکوا مش حاسة بس قولولي أعيش إزاي مع واحد رماني وماعدش عاوزني مستنيني أرجع وأحب على إيده وأقوله حقك عليا أنا غلطانة وندمانة
لا عاش ولا كان اللي يذلك ياسالي يابنت محسن لا عاش ولا كان
ثم تركت سالي أحضان أمها مرغمة لتبحث عن حقيبتها وترحل هارية من ۏجعها المسيطر على أنفاسها وأنفاس القريبين منها فقالت سيرين بخجل
خسيتي على فكرة
بجد أنا بطلت أوزن نفسي عشان ما يجليش إحباط
فقالت أمها لتشجعها بإصرار
يوووه دا أنتي رجعتي قرقوره زي زمان
وقاطعهم صوت رنين الهاتف المصر فالتفتت سالي لأختها لائمة دا أكيد جوزك يا هانم فقالت أمها وهي تتجه للهاتف لتجيب
أنا هرد يالا
أنت عشان متتأخريش على شغلك
رفعت مجيدة الهاتف ليأتيها صوت أسامة الراجي يحيها بود ويسأل عن سالي فقالت متعجبة
الحمد لله يا ابني مين معايا
أجابها أسامة
أنا أسامة سليم أخو . .
قاطعته مجيدة بنبض ملئه الرجاء
أيوا أيوا أزيك يا ابني معلش متأخذنيش سالي أهيه
التفتت سالي عابسة واقتربت من الهاتف وهي تشير لأمها متوجسة فقالت أمها لتطمئنها وإشارات الفرح ترتسم على وجهها
ده أسامة أخو جاسر
ورغما عنها انقبض قلب سالي فرغم كل ما تتمناه أمها إلا أنه مستحيل الحدوث بتلك الطريقة فهو لم يكن ليرسل مرسالا ليتوسط بينهما لم يكن يوما جبنا أو متخاذلا وبالتأكيد لن يكون يوما خائڤا فالتقطت الهاتف وقلبها ينبأها بالنبأ الذي يحمله لها أسامة وتقبلته جامدة وهي تغمغم بأنفاس متسارعة
البقاء لله يا أسامة نص ساعة بالكتير وهكون عندك
فقال أسامة
تحبي أبعتلك السواق
فردت قاطعة بسرعة
لاء أنا جاية حالا
وانقبض قلب مجيدة وهي تراقب وجهها الذي أظلم فجأة ولم تقدر على النطق وهتفت سیرین جزعة
خیر
هزت سالي رأسها نافية وتنهدت بكلمات مبتورة
طنط سوسن
فغمغا الإثنان
لا إله إلا الله
وربتت أمها على كتفها مواسية فقالت سالي
أنا هدخل أغير هدومي
وخرجت لتتجه للقصر وهي تشحن نفسها بالقوة اللازمة للقيام بتلك المهمة التي لم تقم بها من قبل ترتب في ذهنها المتقد ما يتوجب عليها فعله وكان على رأس أولوياتها تحاشیه فهي لن تدعه يظن أنها ستستغل ذلك الموقف للتقرب منه خاصة بيومهما الأخير لا تعلم كيف مر النهار بسرعة البرق بل كيف خرج جسدها من القصر مهرولا نحو مثواه وكيف تآزرت بنفسها لنفسها فقط كي تنفذ وصية أخيرة لتلك المرأة اليي تراها بعد نزع أثواب الحياة البالية عنها مسكينة رغم كل شيء أعدت طعام الغداء لطفليها وأطعمتهما بنفسها وتماسكت أمامهما وقلبها ينفطر ألما وذكريات نعش والدها المسجی تستقر جنبا إلى جنب جوار مشهد نعش حماتها القريب وقفت لتلقي واجب العزاء من النسوة القريبين بعضهن تعرفت عليهن في الحال.
فکانت درية ومدام هدی رئيسة الحسابات بالشركة من أقبلن عليها بتحية حارة والآخريات لم تكن رأتهن من قبل وتلك الفاتنة تقف على مقربة منها تعرف نفسها للغرباء عنها بزوجة الابن الأكبر بفخر كأنما حازت على جائزة نوبل في الفيزياء قامت بواجب الضيافة كانت كالنحلة الطنانة تدور ولا تهدأ تكاد تستمع لكلماتهن ينبذونها من وراء ظهرها بعضهن تحدثن بجرأة عن فقدان وزنها إثر عملية جراحية قامت بها بعد أن حصلت على أموال طائلة من الأكبر المنكوب في أمه والآخريات تشدقن بألسنة حداد عن جحود الأمهات في ذلك الزمن الغابر والذي جعلها تترك فلذة كبدها لتعيش حياتها بحرية كلمات وأحاديث لاتمت لرهبة وعظم المشهد بصلة تنالها وتتلقاها بظهرها وقلبها يأن ۏجعا وترسم إبتسامة ودودة بمقابل وجوههن المنافقة التي تحييها على عملها النبيل تجاه الراحلة وتلك الحية تراقبها بأعين كالصقر تخشى أن تغيب عن ناظريها وتستأثر بطيف من كان يوما زوجها فبكلمة واحدة لا بل بلمسة واحدة أو بإشارة يعيدها اليوم قبل أن تغيب شمسه لعصمته وداخلها يشتعل بالغيرة فالبدينة ماعادت بدينة وردائها المحتشم المكون من قطعتين ينحسر عن خصر رشیق وأرداف مثالية والأسود يليق بشحوب وجهها الخالي من مساحيق الزينة بعكسها وبشدة واختارت اللحظة الملائمة عندما عادت سالي للسكون بأحد المقاعد القريبة من درية قائلة للنسوة حولها بصوت عذب يصيب سمع المحيطين بأجمعهم وهي تحيط بكفيها حدود رحمها المسطح
الله يرحمها كانت غالية علينا أوي بس كأن ربنا بيعوضنا بغيابها عننا ياخد مننا روح ویوهبنا روح
فشهقت المرأة التي تجاورها
مبروك يا حبيبتي ألف مبروك سبحانك يارب ليه حكمة أكيد
والتفتت سالي تراقب ذاك الجمع المفترض به حزينا فإذا به ينبعث بالتهاني لتلك التي يرونها لأول مرة بحياتهم متناسين القريبة التي وارها الثرى كأنها لم تكن يوما ! وطعڼة أخرى تقبلتها بهدوء وارتسمت على وجهها إبتسامة كإبتسامة الموناليزا أثارت حيرة وڠضبا وحنقا داخل الزوجة السعيدة بنبأ حملها فقامت لتنصرف بعد أن أدت مهمتها التي كانت تتوق لها منذ بداية النهار على أكمل وجه وهي تقول بصوت منهك
معلش مضطرة استأذن
فردت إحداهن
روحي ياحبيتي إرتاحي ربنا يتمملك على خير
وما أن اختفت حتى قالت أخرى وهي ا
ياشيخة وليها عين دي قدمها قدم شوم
واكتفت سالي بهذا القدر من النفاق غريبة هي وسطهن وداخلها كرجل يستظل بجدار وسط الصحارى ففقده إثر هبوب رياح أطاحت به وبكل ما يحيطه أو كطفل فقد أمه فطفق يبحث عنها بظلام الليل تحت زخات مطر منهمر ولم يجدها وتحت إلحاح من درية التي طالبتها بالانصراف فهي تبدو متعبة للغاية وطمأنتها أنها ستقوم بالواجب انصاعت مرحبة بهذا العرض فهي بحاجة لاستنشاق الهواء النظيف بعيدا عن زفرات الكذب والنفاق وانصرفت
لغرفة أطفالها الساكنين واحتمت بأحضانهم حتى قالت سلمى بعيون واسعة ملئت رجاءا
هتباتي معانا يا ماما أنا خاېفة متسيبناش لوحدنا
فهزت سالي رأسها نافية وقالت بعزم لن يردعه أحد على ظهر الخليقة
هتيجوا تباتوا معايا عند تیته مجيدة
فأشرقت وجوه أطفالها وقالت لهم بعد برهة وهي تحمل بعضا من متاعهم
يالا بينا
وفي طريقهم نحو الخارج قابلت أسامة الذي استوقفها قائلا
سالي أنا مش عارف أشكرك إزاي على وقفتك دی
هزت سالي رأسها لتنكر فضلا لم يكن إلا واجبا بالأساس
إحنا أهل يا أسامة وهيا كانت زي أمي بالظبط الله يرحمها
هز أسامة رأسه وهو يكبح دموعه فطرد بعضا من أنفاسه الخشنة وقال راجيا
سالي أنا ليا عندك رجاء
ونظر للصغار المتشبثين بكفوف أمهم فقال مشيرا لأحدى الأركان المنزوية
سلیم خد أختك وروح أقعد هناك
أطاع سلیم رغبة عمه والټفت أسامة مرة أخرى بعد أن ابتعدا الصغار وقال وهو يضع كفه على صدره راجيا
خليها عليا المرادي هوا محتاجك بس بيقاوح عشان خاطر الولاد يا سالي
نظرت له سالي وقالت وهي تقر الحقائق أمامه
أنا كنت عارفة أنك هتقول كده بس أنا هقولك على اللي أنا محتجاه ويا ريت تقدره أنا اللي محتاجه أبعد عن أخوك ومراته خصوصا بعد ما بقت حامل واللي محتجاه أكتر منك أنك تخليه يسيب الولاد معايا على الأقل لحد الفترة دي ما تعدي
فرد أسامة مصعوقا بالخبر الذي لم يتوقعه بالمرة
حامل ! أنت متأكدة يا سالي
أخفضت ناظريها وهي توما برأسها بالإيجاب وقالت ساخرة
هيا كانت أكتر من حريصة عشان توصلي الخبر وأكيد حقيقي وعموما خلاص دي صفحة وانطوت
والټفت لأطفالها المنتظرين لإشارة منها وهمست بأعين أغروقت بالدموع
وكفاية ۏجع لحد كدة أنا معملتش اللي أستاهل عليه كل ده
زم أسامة شفتيه وهز رأسه وهو يقول مؤكدا بحق
أنت تستاهلي كل خير يا سالي أنا هخلي السواق يوصلكوا مينفعش تمشي بيهم والدنيا ليل كده لوحدكوا
فهزت سالي رأسها ورافقها أسامة نحو الخارج حتى تقابلا بوجه آخر لم يتوقعا رؤيته واقتربت صاحبته
من أسامة قائلة
البقاء لله يا أسامة أنا لسه عارفة والله دلوقت
تناقلت عيناه من محيا اشري الصادق لمحيا سالي العذب فيبدو أنه مقدرا على رجال تلك العائلة بفقدان النسوة الرائعات اللاتي مروا بحياتهم وقال بحزن
البقاء لله وحده یا آشري اتفضلي
فالتفتت آشرى لسالي وللأطفال وقالت راجية
سالي استني متمشيش أنا كنت عوزاكي مش هأخرك
فهزت سالي برأسها وقالت
طب هستناك في العربية
مضت سالي في طريقها والتفتت آشري نحو أسامة قائلا
متأخذنيش يا أسامة أنا معرفش حد من الليدز اللي جوه وبابي دخل صوان الرجالة بس كنت عاوزة أعزي جاسر وزیاد
تنهد أسامة قائلا
هوا جاسر في الصوان جوه هروح أندهه دلوقت لكن زیاد هتلاقيه في أوضة المكتب
ضوءا طفيفا ينبعث من جانب الحجرة المظلمة والسكون يغلف أركانها فتوقفت برهبة أن تقطع خشوع صوته أثناء تلاوته للقرآن الكريم ومع ذلك شعر بوجودها فالټفت لها رأته بعد غياب