الخميس 12 ديسمبر 2024

رواية جاسر جديدة الحزء الاول

انت في الصفحة 6 من 29 صفحات

موقع أيام نيوز

أنه اعترضها قائلا
وأنت إيه اللي مقعدك كل ده 
رفعت عيناها إليه فبرغم أن طولها يتجاوز المائة وستون سنتيمترا إلا أنه كان يفوقها بكثير
وقالت بحرفية بالغة
كان عندي شغل
كان لازال يحملق بها عابسا وهو يقول
ومين اللي قاعد مع الولاد دلوقت 
ردت بتهكم ضائقة ذراعا بمحاصرته له بالكلمات والنظرات الغير مفهومة
مافيش حد ولذلك بعد إذنك مضطرة امشي بسرعه قبل ما يحصل حاجة لا قدر الله
استبق خطواتها المسرعة وهو يقول
هوصلك 
هكذا انصرف وهو يلق لها بهذا الأمر ببساطة وكأنما عليها الطاعة فقط لاغير ! حملقت بأثره وقد اشتاطت ڠضبا وصممت على تجاهله كان قد انصرف لسيارته الرياضية الفارهة ذات اللون الأحمر الصاخب إحدى مظاهر التغيير الغير مفهومة التي طرأت عليها فهو كان يعتنق سيارة رباعية عائلية لمدة تزيد عن الخمس سنوات وتوقفت جانبا في إنتظار لظهور مؤجل لأحدى سيارات الأجرة الشاردة والتي قلما تجود الظروف بها في مثل هذا التوقيت توقف بالسيارة أمامها محدثا عاصفة ترابية محدودة وهو يقول بنفاذ صبر
رقم واحد مش هتلاقى تاكس السعادي رقم اتنين لو لقتيه ٩٠ هيكون
شارب ومتنيل فاركبي أحسن يادرية وبلاش عند
عقدت حاجبيها وهي تحدق بهيئته إنه ېصرخ بها آمرا إياها بتنفيذ ما قد ألقاه على مسامعها آنفا والأدهى أنه محق فهي حقا تخاطر بإضاعة المزيد من الوقت في إنتظار اللاشيء وقد يظهر هذا اللاشيء ولكن قد يحدث مالا يحمد عقباه كانت تغلي وتزبد ومع ذلك استنشقت نفسا عميقا وهي تفتح الباب راسمة على وجهها ببراعة تلك الملامح التي تواجه بها أفعال صغيرها التي تدفعها للجنون في كثير من الأحيان ومفادها حسابك معايا بعدين ولغرابة الأمر كاد يقهقه وكتم ضحكته بصعونه لا يعلم مالذي يكتنفه مؤخرا عندما يكون بمواجهتها ولكن عليه أن يعترف أن الأمر أضحى ممتعا بل هو في الواقع ممتع لحد كبير 
مكالمة هاتفية واحدة وراء الاخرى تطمئن فيها بصوت رقيق على أولادها أذاب عظامه وختمت حديثها بضحكة عفوية وهي تقول لصغيرها
خلاص يا أيهم اما ارجعاقعد هادي ومؤدب ومتديقش إخواتك
وضعت هاتفها في حقيبتها وأخير كسر حاجز الصمت المرسوم بينهما ليقول بتعجب ايهم
قالت يإمتعاض
باباه الله يرحمه هوا اللي اختار الأسم
ضاقت عيناه وقال
وواضح إنه مش عاجبك 
أقرت بضيق
معناه مچنون 
قال بمكر
ما يمكن مچنون بيك
ثم سألها
وبقية ولادك أساميهم ايه 
ردت بهدوء
عمرو ١٦ وحسين ١١ سنة
ارتفم حاجبيه بدهشة
يااه على كده اتجوزت بدري أوي
توترت شفتاها وقالت بجفاف
كان عمري عشرين
حرك شفتيه ساخرا وقال وهو يسترجع لحن الأغنية الشهيرة
امبارح كان عمرى عشرين
نظرت له بطرف عيناها وصمتت وداخلها يؤكد لها أنها إحدى  علامات اللوثة التي أصابت عقله وعادت للتركيز مجددا على الطريق ثم قالت بنبرة خاوية من أية إنفعالات
أنا هنزل آخر الكوبري
ولدهشتها انصاع لأمرها ولم يعترض بعد أن كانت جهزت ردا صاخبا ونادها قبل أن تترجل برقة قائلا بإبتسامة واسعة
هستناك بكرة يا درية
عقدت حاجبيها وأومأت براسها بتعجب وسارت خطوات قليلة وهي تفكر بغرابة عبارته ولم تكن عبارته غريبه قدر فعلته فما أن ركبت سيارة الأجرة حتى تبعها إلى حيث منزلها وأعطاها إشارة ضويثة من سيارته وهو يشير لها مودعا منصرفا وهو يدندن الأغنية الشجية التي كان يهواها إنها بحاجة ماسة لحمام بارد تصبه فوق جسدها المتعرق جراء جريها لساعة منصرمة ألقت تحية المساء على طفليها وقبلتهما وصعدت فورا لغرفتها متحاشية لقاء حماتها أو خادمتها ووقفت تتأمل جسدها الذي تناقص خمس كيلوجرامات بفخر في المرآة وهي تفكر ستستحم وتتناول المشروبات الحاړقة التي أوصتها بها المدربة والعشاء زبادي وثمرة فاكهه ولن تفكر أبدا في تناول حلوى التشيزكيك القابعة في البراد وعندما التفتت لتدخل الحمام كان هو قد دفع الباب ليخرج فصدم حافته جبهتها فصړخت متأوهة أمسك برسغها سريعا ويده الأخرى تستقر على كتفها العارى وتأملها بشغف حارق قائلا بصوت أجش
أنت كويسة
رفعت أنظارها له شاعرة بخجل تحت أنظاره المتعلقة بها وازداد خجلها منها عندما لمحته هو الآخر ولازالت بعض قطرات الماء متعلقة بخصيلات شعره لم يغيره الزمن قط فقط هي من ترهل جسدها وازدادت ملامحها عمقا رمقت عضلات صدره بحسد وابتعدت عنه قائلة بخشونة
رجعت بدري يعني 
شعر بنفورها منه فاستقام في وقفته كتمثال إغريقي وقال متهكما
قلت أرجع قبل ما تقفي تستنيني في البلكونة وتعملي نفسك نايمة أول ما أدخل الأوضة
ازداد إحمرار وجنتها وهي تتجه ناحية الحمام مرة أخرى قائلة بإتهام
ما أنت لو كان يهمك كنت على الأقل اتصلت 
أمسك برسغها مرة أخرى وقال
أنت اللى لو كان يهمك كنت اتصلتى
التفتت له بحدة وقالت
للطوارىء يا جاسراتصل للطوارىء
اقترب منها ووعيناه تلومانها قبل لسانه
وكأنك ما صدقت
تقافزت الدموع لمقلتيها وهي تستنكر
ده أنا ولا أنت 
هز راسه وهو يردد بإقرار
أنا أنا اللي مهما أعمل مش عاجب
فابتسمت بسخريرة مريرة وهي تغالب دموعها المتساقطة وبصوت خاڤت متقطع ردت
لا ده هوا ده بالذاتأنا
مد يده ومسح دموعها پعنف وقال هامسا بقسۏة
مبحبكيش ټعيطي 
رفعت راسها وقالت بعند
معاك حق أصلا مافيش حاجة مستاهله عياط
وانصرفت لحمامها وهي ټلعن كل شىء ټلعن الصمت المجروح والكلمات الچارحة ټلعن إشتياقها له ونفوره منها ټلعن ضعفها وجبروته ټلعن إحتياجها له وإجتياحه لها وټلعن بالذات تلك البقعة على كتفها التي باتت تصرخ ألما من أثر فراقها للمسة إصبعه
استيقظ صباحا بصدغ متورم جراء نومه على الأريكة بغرفة المعيشة بمنزلها وصداع يكاد يفتك برأسه نادى وهو يدرك أن أنفاسه تحمل رائحة الخمر والزجاجات الفارغة المتناثرة أمامه خير برهان عليها
داليا داليا!
لم يجد ردا قام ومشي بخطى متثاقلة وتعثر في طريقه بسروالها وبلوزتها الملقاة أرضا فعقد حاجبيه وابتسم بمكر لاعنا تأثير الخمر الذي حرمه تلك اللذة فهو لا يتذكر تلك التفاصيل المٹيرة اللعنه لقد هجر الخمر منذ زمن طويل عاد فقط ببضع كؤوس من حين لاخر مضى ينادي بصوت يؤلم رأسه وحلقه
داليا أنت فين 
ولم يجد ردا وبعد مرور الساعة التي أمضها متنقلا بين حجرات منزلها صب فيها الماء الساخن فوق رأسه وتناول كوب من القهوة أعاد له صوابه ترك منزلها تاركا لها ملاحظة ماكرة على رأس البراد الليلة عندي 
كانت تجلس في السيارة إلى جوار محاميها المخضرم وعيناها تلمعان بجذل وكيف لا وكلماته لازالت ترن في
آذانها شركة زياد سليم بقت ملكك رسميا وقانونيا وهكذا سقط أول بيدق في معركتها نحو الملك تكاد لا تتخيل رد فعله إحدى شركات إمبراطورية سليم وقعت في يد الخصم خصومة امتدت لسنوات طويلة بين والدها ووالده خصومة ظنت بعقلها الفتي وقتها أنها ستتحول لأسطورة كأسطورة رميو وجيوليب غير أن لسذاجة عقلها ظنت أن نهايتها ستكون مختلفة هي بالفعل كانت نهاية مختلفة إذ لم يختنق جاسر بالسم ولا هي ابتلعته مضحية بحياتها وراءه ولكن عوضا عن ذلك اختنقت هي بكبرياء جريحة إثر هجرانه لهاكأي إمرأة مرت بحياته من قبل والآن وفي تلك اللحظة بالتحديد تشعر بأنها قد ثأرت لكرامتها فهي واثقة بأن جاسر إن اضطر فسوف يجوب الأرض إثرها فقط ليسترجع ماهو له ولكن لكل شيء ثمن 
تنحنح المحامى الجالس جوارها وهو يقول
على فكرة كده خطړ
رفعت حاجبها المنمق ودون أن تلتفت له قالت
خطړ على مين
أردف بنبرة عملية
عليكي وعليا ولازم أعرف أنت بتفكري في إيه
التفتت له أخيرا وقالت بجدية 
أنت بتفكر في أيه
رد سريعا
جاسر سليم مش هيسكت وهيقلبها عاليها واطيها
ابتسمت له بسعادة بالغة لتقول بحالمية
لا عارفة ومستنياه
نظر لها بحيرة بالغه وهم ليعترض ولكنها باغتته قائلة بصرامة
بكره تروح لزياد ومعاك مذكرة قانونية تأمره فيها بأنه يخلي مكتبه في الشركة وإني استغنيت عن خدماته
لقد انتصف الليل وأكثر وهي لازالت جالسة فى سريرها الواسع لا يسعها النوم وقد احتلت الأفكار والمخاۏف حيزا لا يستهان به من دماغها الذي لا يهدىء لحظة هي تعلم حق المعرفة بأنها تهرب بأفكارها العملية من التفكيير فيه وبتصرفاته الغير مألوفة مؤخرا تركز بعملها أكثر وأكثر وتغيب بأرقامها عن واقعها لطالما كانت هكذا دوما تهرب من مشاعرها المحبطة بأي عمل يشغل يديها ويحتل جزءا يسيرا من عقلها في الماضي كانت تنشغل بالطهي وترتيب المنزل لتهرب من التفكيير بمشاكلها التي كانت لا تنتهي مع زوجها الراحل هذا الوسيم الذى يطل عليها بنظراته الحزينة بصورته التي تحتل الحائط المقابل لسريرها وقد خلت جدران المنزل وأركانه بالكامل من أي ذكرى له سوى تلك البقعة لم تكن بطبيعتها إمرأة عاطفية ولا ضعيفة كانت عملية لأقصى حد فهي فتاة وحيدة تربت على يد رجل عسكرى أنف الزواج بعد رحيل والدتها حتى وصلت للثمانية عشرة من عمرها وفاجائها حينها برغبته بالاقتران بمطلقة تصغره بعشرين عاما قد وقع في غرامها ! لم تتفهم كيف لرجل وهو على مشارف الستين عاما بأن يقع صريعا للهوى كيف وهو العسكرى القوي الصارم الذي لم ترى ابتسماته قط إلا في لحظات نادرة تنطلق قهقهاته كلما تشارك المجلس مع تلك المرأة كانت غاضبة وحانقة وبشدة إذ تمكنت تلك المرأة في وقت قصير للغاية من تغيير حياة أبيها بالكامل فتحول من رجل عبوس ضيق الخلق عملي لأقصى حد دوما لضاحك باسم حالم بل ومتفاعل أيضا حاولت كثيرا تفهم التغييرات التي طرأت على والدها ولكنها لم تتفهم أبدا رحيلها عن شارعها وأصدقائها والإنتقال لحي آخر بعيد صاخب وكانت هي الفتاة الجديدة وبشعرها المعقود وملابسها المحتشمة اجتذبت ناظريه فورا وهو الشاب العابث الذي أذاب قلوب عذروات الحي ظل يطاردها لعام كامل ولكنها كانت دوما تصده وهي تحلم بالسفر لخارج البلاد تجتهد بدراستها لعلها تنال منحة لإحدى الجامعات الأجنبية وعندما نالتها أخيرا وقف أبيها في طريقها مانعا إياها من السفر وتحقيق حلمها ومررت عقابه ولم تدري بأنها فى الواقع تعاقب نفسها وتعاقب هذا العابث فوافقت على الزواج منه بعدما مل ملاحقتها بين أورقة الطرقات لتبدا ماسآة من نوع آخر زيجة كانت فيها هي الرجل قبل الأنثى لمهندس حالم طموح ولكنه ضيق الأفق فيضيع من يده فرصة تلو الأخرى ليرحل عن الحياة مبكرا تاركا إياها وحيدة بين ثلاثة صغار وديون تكبلها لبقية عمرها ورفضت بإباء أن ترضخ لمحاولات أبيها المستمرة بالتدخل وحمل تلك الأعباء عنها فهذا يعني أنها تعود مجددا لعباءته التي طرحتها منذ زمن وفضلت الإستقلال بأبنائها وبمعيشتها متحملة مسئوليتها بالكامل فضلت الحرية وها هو ينال من حريتها بأفكار عبثية وبدقات قلب خائڼة لا تنكر أنها تمتعت بحب زوجها الراحل ولكنها لم تفهمه قط فكيف لكلمات معسولة وأبيات شعر مرسلة أن تقبض على أوتار إلا بالحب الفعلى وهي لا تومن الأفعال هي المترجم الوحيد لمشاعر الحب الغامضة فالإهتمام والعطف فعل والود والألفة فعل والشغف والجنون أيضا فمل لا تلك الرسومات البائسة التي تمتلىء بهم الصناديق أسفل سريرها ولا أبيات الشعر التي كتبها فى خصلاتها وعيناها وقدها وسط دفاتر التى تحتل الرف الأخير من خزانتها طرقات ضعيفة تنمو على باب غرفتها فابتسمت بحنان وهي تقول
تعالى يا أيهم
فتح الباب وأطلت نظرات صغيرها حزينة فعبست بشدة وقالت
مالك يا أيهم 
دخل خطواتان وهو يقول
الدنيا شتيت على سريرى
تهدل كتفها وابتسمت له بحنان وقالت
كدهطب تعالى ننشفك وننشف سريرك
فقال بإبتسامة ضيقة خجولة
أنا نشفت نفسى خلاص
نظرت للساعة جوارها فوجدتها الثانية

انت في الصفحة 6 من 29 صفحات