رواية مالك الفصول من 16-20
تكون تلك المرأة زوجته ..
لم تستطع هي تحمل تلك المفاجأة الكبيرة .. والتي زلزلت كيانها بالكامل فشعرت بتلك الغمامة السوداء تغلف رأسها وفقدت بعدها الإحساس بما حولها .......
..........................................
مر يومان على مالك وقد انتهى فيهما من تجهيز نفسه للبدء في أولى خطواته العملية في تركيا ..
استعد للذهاب إلى الشركة الجديدة وتأنق في حلة رسمية مناسبة من اللون الأسود ..
تلقى التعليمات اللازمة للعمل وفق سياسة تلك الشركة وحمد الله في نفسه أنه بارع في التحدث باللغة الانجليزية ليتمكن من إنجازات المعاملات التجارية بها واستقبل بصدر رحب كل التعليقات الخاصة والتوصيات الهامة ليحقق المطلوب منه دون وجود أي عقبات ..
بخطوات ثابتة إتجه نحو المصعد ليستقله للطابق القابع فيه مكتبه بمبنى الشركة الشاهق ..
لمح تلك الشابة الجميلة وهي تعدو مسرعة نحوه بحذائها العالي وملابسها الرسمية السوداء محاولة اللحاق بالمصعد قبل أن ينغلق بابيه ..
نظرت له ممتنة وشكرته بكلمات مقتضبة ..
أومأ برأسه مجاملا وهو يبتسم لها ولم ينبس ببنت شفة ..
تراجع للخلف بعد أن ضغط على زر طابقه وكذلك فعلت هي واختلس النظرات إلى ممشوقة القوام التي تقف أمامه وهو يكاد يسمع صوت أنفاسها اللاهثة ..
كانت ثيابها باهظة الثمن وتسريحة شعرها الذهبي منظمة للغاية خاصة تلك الكعكة التي جمعت كل خصلاته الناعمة بشكل عملي جاد ..
وضعت الشابة يدها على صدرها الذي ينهج وجاهدت لتضبط أنفاسها ..
لكنها لم تكن على ما يرام فالإرتفاع المفاجيء في نسبة الأدرينالين أتعبها للغاية ..
عاتبت نفسها بالهمس وهي تضغط على شفتيها قائلة باللغة التركية
لم يكن علي الركض .. فأنا لست بحاجة إلى هذا المجهود يا إلهي ساعدني كي لا أسقط أوه !
ولكنه تفاجيء بالشابة تترنح بجسدها وهي تكافح للصمود واقفة على قدميها ..
أسرع مالك بإمساكها من خصرها ومن ذراعها ليحول دون سقوطها وهو يهتف بفزع
يا أستاذة في ايه انتي كويسة
نظرت له الشابة بأعين شبه زائغة وتمتمت بكلمات لم يستطع فهمها .. فهتف پخوف
شعر بثقل جسدها عليه فدقق النظر إليها فوجدها قد غابت عن الوعي ..
أمسكها جيدا ولف ذراعه حول عنقه ثم مد ذراعيه أسفل جسدها ليحملها ..
كان المصعد قد أكمل صعوده في الطابق التالي وحينما توقف انطلق مالك منه مندفعا حاملا إياها وهو ېصرخ مستغيثا بالمساعدة ..
حالة من الهرج والمرج سادت فجأة في ذلك الطابق ..
تعجب مالك مما يحدث ولكنه لم يكن ليترك الشابة
دون مساعدتها ..
أسرع بوضعها على أقرب أريكة وجثى قبالتها ثم مد يده ليبعد تلك الخصلة التي تحجب وجهها وحاول إفاقتها بهدوء ..
ركض رجلا ما وقورا ذو هيبة واضحة في إتجاهه وهو يهتف پذعر
لانا .. لانا !
اعتدل مالك في وقفته وتراجع مبتعدا حينما رأى ذلك الرجل يقترب منه وأفسح له المجال للتصرف معها .. وأوضح له باللغة العربية وقد تناسى أن غالبية المتواجدين بالشركة أتراك
هي اغمى عليها في الأسانسير وأنا مش عارف مالها ..
أمسك الرجل بكف الشابة براحتيها وفركه بقوة وهو يهتف بإسمها
لانا أجيبني !
رفع الرجل رأسه لينظر إلى مالك وهتف فيه بجدية ولكن بالعربية
ابنتي أصيبت بنوبة السكري مجددا احضر دوائها من مكتبي
نظر له مالك بذهول وقد صدم من تحدثه إليه بالعربية .. فازدرد ريقه وهو يسأله بنبرة مشدوهة
و..آآ.. وهو فين مكتبك
أشار له الرجل بيده قائلا بتلهف
هناك !
هز مالك رأسه متفهما ثم ركض مسرعا نحو مكتبه ليساعده ..
.....................................
حركت إيثار رأسها للجانب وهي تئن بصوت خفيض ..
شعرت بيد ناعمة تتلمس جبينها وبصوت أنثوي يهمس لها
هاتبقي كويسة يا حبيبتي
لم ترغب إيثار في فتح عينيها واستسلمت لغيبوبتها الإجبارية فقد كانت تظن أنها في كابوس طويل قاسې تريد الإفاقة منه لينتهي عڈابها الممتد .....
حدقت أمل فيها بإشفاق واضح فقد أيقنت أن تلك الصغيرة ساذجة وبريئة للغاية أوقعها حظها العثر في رجل كزوجها محسن ....
...........................................
ناول سلمان ابنته لانا كوب الماء لترتشفه بعد أن أفاقت من إغماءتها القصيرة ..
شعرت بصداع رهيب في رأسها وتأوهت بخفوت وهي تتمتم مع والدها بكلمات مقتضبة لم يستطع مالك فهمها ..
استدار سلمان نحوه ومد يده ليصافحه شاكرا إياه بجدية
أنا عاجز عن الشكر لقد ساعدت ابنتي
نظر له مالك بحرج ورد عليه بإيجاز
أنا معملتش حاجة
سأله سلمان بجدية وهو يتفرس ملامح وجهه
انت عربي
أومأ مالك برأسه إيجابا
ايوه من مصر
بدى وجه سلمان خاليا من أي تعابير وهو يضيف قائلا
اعذرني على فضولي ولكن ماذا تفعل هنا !
أجابه مالك بتلعثم
أنا .. شغال في الشركة دي
ظهرت علامات الإندهاش واضحة على وجهه وهو يهتف غير مصدقا
أنت موظف لدي ! أوه يا لحسن القدر !!!
حدق فيه مالك مذهولا وهو يرد بنبرة مصډومة
هو .. هو حضرتك صاحب الشركة !
..........................................
لاحقا تعجب نادر مما حدث مع رفيقه مالك خلال نهاره الأول بالشركة وضړب كفا على الأخر قائلا بإبتسامة متحمسة
أنا مش مصدق إنت مع بنت سلمان بيه ومن أول يوم ليك ! بركاتك يا سيدنا
هز مالك كتفيه في عدم مبالاة ورد بفتور
أنا مكونتش أعرف انها بنته افتكرتها موظفة في الشركة وتعبت فساعدتها عادي يعني مش قضية !
أوضح له نادر قائلا بجدية
هي شغالة فعلا في الشركة بس مش معاه كأنها زي أي حد فينا
ضاقت نظرات مالك وهتف بإيجاز
غريبة
برر له نادر بهدوء
ولا غريبة ولا حاجة الناس هنا بتعتمد على نفسها في تحقيق أحلامها مش زي عندنا
أها
ثم صاح بنبرة مفعمة بالحيوية
تعالى هأعزمك على أكلة حلوة هاتعجبك في مطعم شيك
هز مالك رأسه وهو يقول بحرج قليل
شكرا يا نادر مافيش داعي
لكزه نادر في كتفه وهو يقول بمرح
يا عم شيل التكليف بينا تعالى بس ! وقولي رأيك !
ماشي
وبالفعل ولج الاثنين إلى داخل أحد المطاعم القريبة من ساحل البحر ..
أبدى مالك نظرات إعجاب واضحة بتصميم المكان الراقي والذي كان يتناسق في ألوانه مع زرقة البحر الذي يعشقه ..
أشار له نادر بالجلوس على إحدى الطاولات القريبة من المياه وهتف بإنفعال وهو يحدق في شاشة هاتفه
شوف إنت هاتطلب ايه عقبال ما أرد على المكالمة دي
طيب
أمسك مالك بقائمة الطعام ودقق النظر في محتوياتها ..
تعذر عليه أن يفهم المكتوب فيها فضغط على شفتيه وزفر بخفوت .. ثم رفع رأسه للأعلى وتلفت حوله بنظرات حائرة ..
تأمل المكان بنظرات أكثر تفحصا ليلهي نفسه حتى يعود رفيقه فيترجم له المكتوب وينتقي ما يريد ..
لمح عدة آلات موسيقية متراصة على مسافة قريبة منه مشكلة فرقة صغيرة ولكن بدون أعضاءها ...
مرر نظراته على كل واحدة منها على حدا دون اهتمام جدي حتى وقعت عينيه مصادفة على تلك الآلة .. فخفق قلبه سريعا وتسارعت دقاته .. وتسمرت أنظاره عليها ..
إنها معشوقته .. مترجمة مشاعره ..آلة الكمان ..
تلك الآلة التي حطمها في لحظة هوجاء منه لينفث عن غضبه الكامن في صدره ..
التوى ثغره بإبتسامة راضية وهو يتذكر براعته في العزف على أوتارها ..
لم يستطع مقاومة رغبته في ټلمسها من جديد ..
فرك طرف ذقنه ونهض بحذر من على مقعده ثم تحرك صوبها وكأن بها هالة سحرية تجذبه إليها ..
وقف قبالتها مترددا وبشغف صادق واضح في عينيه مد أنامله ليتلمسها ..
لم يشعر بنفسه إلا وتلك الآلة موضوعة على كتفه فأغمض عينيه .. واهتز جسده برغبة ملحة في تجربتها ..
استسلم لمشاعره
وبدأ في العزف عليها بإحترافية واضحة ..
يا الله كم يعشق تلك الآلة لقد أعادته ألحانها الشجية إلى بلده إلى غرفته وإليها ..
قاوم تلك العبرات التي تراقصت في جفنيه تأثرا بعزفه على أوجاع قلبه ...
في تلك اللحظة ولجت لانا إلى داخل المطعم مآسورة بسحر تلك النغمات الملائكية ..
كانت على وشك الانصراف بعد انتهائها من تناول طعامها ولكن أوقفتها صوتها الشجي الذي لامس قلبها ..
اقشعر بدنها من موسيقاه الصادقة
التفتت لتنظر إلى صاحب تلك الأصابع الذهبية فزاد ذهولها حينما رأت منقذها أمامها ..
انتهى مالك من عزف مقطوعته فتفاجيء بتصفيق حاد من رواد المطعم ففتح عينيه مذهولا .. وحدث مصادفة ما لم يتوقعه .............................
..............................................
عانت إيثار من إرتفاع في درجة حرارة جسدها وسهرت أمل على تمريضها لعدة أيام حتى بدأت تتماثل للشفاء واستعادت قدرا من عافيتها .....
تابعها محسن ممتعضا وهتف متذمرا بالقرب من فراشها
هو أنا كنت ناقص !
رمقته أمل بنظرات جارحة وهي تهمس فيه پغضب
حرام عليك إنت مش شايف كانت عاملة ازاي
أفاقت إيثار على صوتهما وادعت النوم لتعرف الحقيقة المرة ..
هتف محسن بنفاذ صبر وهو يشيح بيده
ده اسمه دلع وأنا زهقت !
صاحت أمل بصرامة
محسن خلاص مالوش لازمة الكلام دلوقتي !
رد محسن محتجا بنظرات متهكمة
أومال أنا متجوز ليه عشان أقعد كده محلك سر !
كزت أمل على أسنانها قائلة بحنق وقد اكتسى وجهها بحمرة الڠضب
اتقي الله مش كفاية ضحكت عليها
ضغطت إيثار بقوة على شفتيها لتمنع تلك الشهقة من الصدور .. فصادمتها في محسن كانت تفوق أي صدمة في حياتها ..
ها قد ألقى بها أخيها في التهلكة ..
وتحملت بمفردها تبعات تلك الزيجة الموصومة بالخداع والكذب ...
صاح محسن بصوت محتد وهو يرمقها بنظرات مستنكرة
هو انتي معايا ولا معاها !
ردت عليه بأسف وهي تهز رأسها بإشفاق
هي صعبانة عليا
أكمل محسن قائلا بقسۏة
ميصعبش عليكي غالي !
ثم وضع قبضته أسفل فك زوجته وهمس له غامزا بعينه
اوعي تكوني غيرانة منها يا أمولة
لوت فمها لتجيبه محتجة وهي ترفع حاجبها للأعلى
أغير منها !! ايش حال أنا اللي قايلالك اتجوز !!!!
داعب صدغها بأصابعه الخشنة وأخفض صوته ليقول بلؤم
حبيبتي أنا عارف إنك قلبك طيب وأنا وعدتك جوازتي منها عشان الخلفة وبس !!!
نزلت كلماته على قلب إيثار كالخڼجر الذي أدماه فورا ببشاعة اعترافه ..
هو لم يحبها من الأساس ولم يسع إليها إلا لغرض واضح ...
أطرقت أمل رأسها وهي تعاتبه بحزن بادي في نبرتها
مش لازم تفكرني يا محسن !
لف ذراعه حول كتفها وقربها منه ثم قبلها أعلى رأسها وتأسف قائلا
حقك عليا بس انتي اللي بتضطريني أقول كلام مش عاوزه
تراجعت مبتعدة وهي تقول بصوت أقرب للإختناق
هو كان بإيدي ده أمر ربنا !!
رد عليها بجمود وهو يشير بيده بلا مبالاة
وأنا جبتلك اللي هاتخلف !!!!
صدرت شهقة مكتومة من صدر إيثار لم تتمكن من منعها وانهمرت العبرات بغزارة من