الخميس 12 ديسمبر 2024

رواية تقي الفصول من 1-5

انت في الصفحة 1 من 10 صفحات

موقع أيام نيوز

الفصل الأول
بداخل مقهى شعبي في أحد الأحياء البعيدة بداخل القاهرة القديمة أمسك شاب ما ملامحه تشير إلى فقره وغلبه بكوب زجاجي ثم أخذ يرتشف منه ذاك المشروب الساخن الذي يمتليء به وما إن انتهى حتى أسنده على الطاولة الخشبية الصغيرة التي يتسند عليها بمرفقه 
أخذ ذاك الشاب يراقب المارة بأعين غير مكترثة إلى أن لفت إنتباهه تلك السيدة العجوز ذات الملابس الرثة والشعر الأشعث وهي تنوح وتندب حظها فضيق عينيه ليرى ما الذي تفعله و 

تهاني بنبرة باكية ونظرات زائغة خدني لحم ورماني عضم خد اللي ورايا واللي قدامي رماني بعد ما سرقني منه له منه له
ثم أخذت تهاني ټضرب صدرها وتلطم على وجهها بطريقة هيسترية والناس من حولها يتعجبون لحالها 
أشفق ذلك الشاب على تلك العجوز ونهض عن مقعده الخشبي شبه المتهالك ثم توجه ناحيتها بخطوات راكضة ووقف إلى جوارها و 
منسي بنبرة منزعجة ست تهاني يا حاجة تهاني يامه
حدجته هي بنظرات ساخطة قبل أن تستدير برأسها لتبدأ العويل مجددا فلوى فمه في ضيق ثم وضع كف يده على كتفها و 
منسي بنبرة ضائقة يا ست تهاني مايصحش اللي بتعمليه ده الشارع كل يوم بيتفرج عليكي تعالي معايا أما أرجعك عند أهلك 
تهاني بنبرة متشنجة ونظرات ضائعة ضحك عليا خد فلوسي كلها رماني في الشارع !!
منسي وهو يلوي فمه في امتعاض لا حول ولا قوة إلا بالله معلش يا ست تهاني الله يعوض عليكي تعالي معايا
ثم أمسك بها من ذراعها وقام بسحبها على مهل خلفه وسار بها في اتجاه منزلها الكائن بأخر الطريق 
في مشفى الجندي الخاص
أمسك الطبيب بالمشرط وقام بشق طولي في جسد المړيض المسجى أمامه لتبدأ عملية الجراحة العاجلة لأحد رجال الأعمال الهامين في البلد 
وقف الطاقم الطبي إلى جوار ذلك الطبيب ذو الملامح الصارمة وهم على أهبة الإستعداد لتلقي الأوامر وتنفيذها 
مهاب متسائلا بنبرة حادة وهو يلوح بيده معدل النبض 
طبيب ما يقف خلفه بجدية منتظم يا د مهاب
أومىء الطبيب مهاب برأسه إيماءة خفيفة ثم أشار لباقي الطاقم بعينيه لكي يباشروا عملهم معه 
توقف الشاب منسي أمام بناية شبه متهالكة ومعه تلك العجوز ثم رفع رأسه عاليا لينظر إلى الشرفات التي تبرز من جانب المبنى لعله يلمح أي فرد من عائلتها ولكنه لم يرى سوى بعض الملابس المغسولة حديثا و التي تتدلى من حبال الغسيل القديمة 
تنهد منسي في عدم ارتياح ثم أطرق رأسه للأسفل وظل ممسكا بالعجوز تهاني وأجبرها على السير معه إلى داخل البناية 
كانت خطواتها متثاقلة وبطيئة ولم تكف أبدا عن الأنين والشكوى ولأنه يعلم بأنها ليست طبيعية فلم يعقب على ما تقوله وأثر الصمت وسحبها ناحية الدرج الخشبي وأسند كف يدها المجعد والخشن على الدرابزون لتمسك به ثم سبقها هو بخطوة ليتأكد من أنها لن تسقط من عليه 
بعد عناء توقف منسي أمام باب منزل مكون من دلفتين خشبيتين ومزود بنافذتين صغيرتين خلف قضبان حديدية أو ما يطلق عليه شراع ثم بحث عن الجرس ليقرعه وانتظر أن يأتيه الرد من الداخل ويفتح أحد ما له الباب 
سمع منسي صوت فتاة عذب يأتي من الداخل فابتسم في نفسه لأنه سيريح ضميره ويسلم تلك السيدة لقاطني هذا المنزل 
لحظات مرت كالدهر عليه حتى سمع صوت صرير الباب وهو يفتح ليجد تلك الفتاة ذات التسع عشر ربيعا وهي

تقف أمامه بقميصها القطني الواسع الذي لا يظهر سوى جزء من عنقها الأبيض ووجهها ذو البشرة البضة فرفع عينيه للأعلى ليحدق ببعض خصلات شعرها المبعثرة على جبينها أما الباقي فمختبيء خلف حجاب صغير 
اتسعت عيني الفتاة في ذهول حينما رأت خالتها تقف خلف هذا الشاب وحالتها تدعو للإشفاق فلطمت على صدرها و 
تقى بنبرة مذعورة خالتي تهاني ! يالهوي انتي انتي نزلتي ازاي
منسي بخشونة لامؤاخذة يا ست البنات أنا لاقيتها ماشية مع نفسها كده وعمالة تخطرف بالكلام وزي ما انتي عارفة العيال ولاد الهرمة اللي في الشارع عمالين آآ 
أمسكت تقى بخالتها وأدخلتها إلى داخل المنزل و 
تقى مقاطعة پذعر حد عملها حاجة يا نصيبتي لو أمي عرفت كتر خيرك يا سي منسي مانجيلكش في حاجة وحشة 
منسى وهو يتنحنح بنبرة رجولية احم أنا معملتش حاجة يا ست تقى وأنا تحت أمرك في أيتها خدمة
تقى بنبرة ممتنة تشكر على ذوقك لا مؤاخذة أنا مضطرية أقفل 
منسي بجدية وهو محدق بها خدي راحتك اتفضلي !
أغلقت هي الباب بهدوء أمام وجهه فظل هو محدقا بأثر طيفها الذي علق برأسه وتنهد بحرارة و 
منسي بخفوت آآآخ لو مكنش الحال معايا واقف كنت جيت وخطبتك يا بت عم عوض
ثم تحسس منسي صدره بكف يده وسار في اتجاه الدرج بالرغم من أن رأسه مازال مستديرا في اتجاه ذلك الباب 
بداخل منزل تقى عوض الله
وضعت تقى يدها على ظهر خالتها وربتت عليه في حنو بالغ ثم اصطحبتها إلى أريكتها الموضوعة بداخل غرفتها الصغيرة ثم أجلستها عليها وچثت على ركبتيها أمامها وحدقت فيها بنظرات خائڤة و 
تقى بنبرة مرتعدة ليه بتقلقيني عليكي يا خالتي حرام عليكي والله أنا أنا قلب وقع في رجليا لما لاقيتك واقفة برا 
تهاني بنظرات ضائعة ونبرة حزينة ضحك عليا ورماني في الشارع خد عيالي وسابني 
ابتلعت تقى غصة في حلقها محاولة أن تقاوم تلك العبرات التي تتسابق للسقوط من مقلتيها ثم أسندت رأسها في حجر خالتها و 
تقى بنبرة راجية وهي مغمضة العينين عشان خاطري يا خالتي انسيه بقى ربنا هينتقملك منه !
تقى عوض الله محسن هي فتاة بسيطة للغاية وابنة وحيدة لأم وأب مكافحين فالأم عاملة في مصنع للمنسوجات والأب رجل طاعن في السن يقضي معظم وقته في رعاية ونظافة المسجد القريب كان لديها أخ صغير ولكنه ټوفي قبل عدة أعوام بمرض القلب حيث عجز أبويها عن تدبير مصاريف العملية الجراحية الخاصة به ومن وقتها خيم الحزن على جميع من في المنزل وما زاد من بؤس وشقاء تلك العائلة هو قدوم الخالة تهاني للعيش معهم بعد أن طلقها زوجها الطبيب المشهور والمقيم في السعودية وسلبها أموالها وأولادها وألقى بها في الطريق كحيوان ضال ومشرد ومن وقتها وهي تعاني من حالة نفسية سيئة 
مازالت تقى تدرس في العام الثاني والأخير لها في المعهد الفني الصناعي تعليم متوسط وهي تمتلك عينين زرقاوتين ورثتها عن أبيها وبشرة بيضاء ورثتها عن والدتها كما ورثت عنهما أيضا ذلك الفقر المدقع جسدها هزيل إلى حد ما بسبب قلة الطعام ولكنه رغم هذا يعطيها مظهر الرشاقة والنحافة التي تحسدها عليها زميلاتها في المعهد 
كما ترتدي تقى الحجاب لتغطي شعرها البني الناعم و المائل للسواد ذو الخصلات المموجة والمتمردة في بعض الأحيان أهدابها كثيفة وجفونها تحوي لمحة حزن جلية 
بحثت تقى عن السعادة في أبسط

الأشياء فوجدتها ولكنها كانت تخشى أن تظهر فرحتها أمام أبويها حتى لا تثير حفيظتهما فهما نوعا ما متزمتين بشأن ظروف الحياة وقسۏتها فمبدأهما أن الحياة لا ترحم الفقراء ولن يشفق عليهما أي أحد طالما مازالوا قابعين في ذلك البؤس 
تنهدت تقى في مرارة ورفعت عينيها عاليا لتنظر إلى خالتها بآسى ثم تشدقت ب 
تقى بنبرة منكسرة لو كان بإيدي يا خالتي كنت جبتلك حقك منه بس أنا ايدي مش طايلة وآآ 
تهاني مقاطعة پبكاء اللي راح مابيرجعش اللي راح مابيرجعش
ثم نهضت تهاني عن الأريكة القديمة وسارت في اتجاه المرحاض القديم وهي تغمغم بكلمات غير مفهومة 
تابعتها تقى بنظرات حزينة ثم استندت على الأريكة لكي تنهض عن الأرضية و 
تقى بنبرة آسفة ربنا يتولاكي يا خالتي !!!!!
في مشفى الجندي الخاص
انتهى الطبيب مهاب من إكمال العملية الجراحية ثم دفع باب غرفة العمليات بكتفه وتوجه ناحية المرحاض الرخامي الملحق بالغرفة وقام بفتح الصنبور بعد أن نزع القفاز الطبي عن يديه ليغسلهما 
لحق به طبيب أخر ووقف خلفه ثم 
حسن بنبرة إعجاب ماشاء الله عليك يا د مهاب كل يوم بتثبتلنا إن مافيش حاجة صعبة عليك
اعتدل الطبيب مهاب في وقفته ثم حدج حسن بنظرات قوية قبل أن يردف ب 
مهاب بصرامة وهو يشير بإصبعه المبتل شكرا يا د حسن بس دي أخر مرة هاسمح لحد انه يغيب عن عملية أنا فيها 
حسن بتلعثم ونظرات مرتبكة آآ بس بس د صبحي عيان وآآ 
مهاب مقاطعا بحدة طالما مابلغنيش شخصيا يبقى يستحمل أنا مش بهزر هنا !!!!!
ثم تركه مهاب وعلى وجهه عبوس شديد وانصرف خارج المرحاض 
تسمر الطبيب حسن في مكانه ولوى فمه في امتعاض و 
حسن بضيق واضح كده ان صبحي مش هايكمل معانا
في مصنع الرشيدي للمنسوجات
انحنت فردوس بجسدها قليلا للأمام لكي تعدل من وضعية القماش المسنود على تلك الماكينة ثم اعتدلت في وقفتها ورفعت يدها على جبينها لتجفف حبات العرق الساخنة 
تنهدت هي في ارهاق والتفتت حولها لتتابع تلك الثرثرة الروتينية المعتادة بين عاملات المصنع و 
سعدية بنبرة فضولية ها وبعدين
زينات بنبرة متحمسة بس ياختي قامت الولية أمه مصممة تعمل الډخلة بلدي عشان تتأكد إن كانت البت زي ماهي ولا آآآ ما انتي فاهمة بقى 
سعدية وهي تمط شفتيها في استنكار يا جبروتها وابنها وافق 
زينات بإمتعاض وهي ترفع أحد حاجبيها وهو يقدر يعترض دي تاكله أصلك مش عارفاها
لمحت العاملة سعدية فردوس وهي تتابعهما فمالت برأسها للجانب قليلا و 
سعدية بنبرة عالية سمعتي ياختي اللي زينات قالته 
فردوس بضيق اه ومش عاجبني اللي حصل دي أعراض ناس
استدارت زينات هي الأخرى لتواجه فردوس ثم زمت شفتيها قبل أن تتشدق ب 
زينات بتأفف وهو أنا قولت حاجة من عندي ماهو الكل عارف سيرة بنت الدي 
فردوس بنبرة منزعجة مالناش دعوة احنا ولايا وعندنا ولايا ربنا يسترها علينا 
زينات وهي تمط شفتيها في عدم اقتناع طيب أما أروح أعملي كوباية شاي لأحسن دماغي هتتفرتك من أم الصداع
ثم انصرفت زينات مبتعدة وهي تتغنج بجسدها الممتليء فحدقتها فردوس بنظرات مشمئزة قبل أن تستدير برأسها لتتابع عمل الماكينة 
وقفت سعدية إلى جوارها ثم وضعت كف يدها على كتفها و 
سعدية بجدية مردتيش عليا في موضوع الجمعية
فردوس بنبرة ممتعضة صعب يا سعدية أخش في أي جمعية الوقتي مصاريف البيت قاطمة وسطي والبت تقى طلبات المعهد بتاعها مش بتخلص 
سعدية بإصرار خشي بس وأنا أخليكي تقبضيها الأول أهوم قرشين ينفعوكي في الأيام الغبرة

اللي احنا فيها 
فردوس بنفاذ صبر الله يكرمك ما تزنيش على دماغي أنا مش ناقصة 
سعدية بنبرة شبه لئيمة وهي تضيق عينيها يا دوسا صدقيني انتي الكسبانة وربنا خدي القرشين وآآ 
فردوس مقاطعة بحزم خلاص يا سعدية قفلي الكلام في الموضوع ده أنا عاوزة أخلص

انت في الصفحة 1 من 10 صفحات